الجمعة - 08 نوفمبر 2024

 بين يدي الأخوة المتصدين لتعديل قانون الأحوال الشخصية..!

منذ 4 أشهر
الجمعة - 08 نوفمبر 2024

الشيخ حسن عطوان ||

 

🖋 يقول عزّ مَن قائل في كتابه الكريم :

( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ النور : 47 – 51 ] .

🖋 لعلَّ من الإنصاف أنْ نقول : إنَّ قانون الأحوال الشخصية الحالي – ذا الرقم ( 188 ) الصادر عام ( 1959 م ) ، والذي جرت عليه لاحقاً عدة تعديلات – يعتبر جيداً إذا ما لوحظ بالقياس الى ما يناظره من القوانين الوضعية .

ولكنّ هذا لا يمنع من القول إنَّ في بعض فقراته و موادّه ثغرات مهمة أوقعت كثيراً من الناس في الإشكال الشرعي ، لذا صار من الواجب العمل على تعديل تلك الفقرات والمواد ، ومن أمثلة ذلك :

1 المادة ( 40 ) من هذا القانون وما يليها :

أعطتْ للقاضي صلاحية التفريق بين الزوجين عند تحقق شروط .

والفقهاء جميعاً يفتون ببطلان هذا التفريق إذا لم يكن الحاكم به هو الفقيه العادل ، وبطلان ما يترتب عليه ، فزواج المرأة برجل آخر إعتماداً على هذا التفريق يعدّ باطلاً .

بل وتحرم هذه المرأة – بحسب الرأي المشهور – على الرجل الثاني حرمة مؤبدة إذا كان قد دخل بها ، بل مطلقاً إذا كان عالماً بالحكم والموضوع ، بحيث لو طلقها زوجها طلاقاً صحيحاً شرعاً فمع ذلك لا يصح لها الزواج من الثاني .

1 المادة ( 57 ) منه :

أعطتْ للأم حق حضانة الأطفال حتى بعد إكمال سنتي الرضاعة ، وهذا أمرٌ أدخل كثير من المؤمنات في الإشكال الشرعي ، وتسبب في الوقوع في مشاكل جمّة ، لعل منها عدم قدرة الأم – غالباً – على تربية أطفالها بالنحو المناسب ، لا سيّما الأولاد .

1 الفقرة الأولى من مادته رقم ( 7 ) ، بعد التعديل رقم ( 21 ) الصادر في عام ( 1978 ) :

منعت من الزواج قبل إكمال الثامنة عشر من العمر ، ممّا تسبب في وقوع حالات كثيرة من الزواج خارج إطار المحكمة ، وحصلت مشاكل كثيرة بسبب ذلك .

مع أنّه في أصل القانون كانت هذه المادة تقول : ” يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ ” .

1 الفقرة ( 4 ) من المادة ( 3 ) من القانون :

منعت الرجل من الزواج بإمرأة ثانية إلّا بإذن القاضي ، واشترطت في إذنه توفر أمرين ، وتُرِكَ إثبات تحققهما من عدمه لتقديره .

وتسبّب ذلك ايضاً في وقوع حالات كثيرة من الزواج خارج إطار المحكمة ، ممَا ترتب عليه ايضاً مشاكل عدّة يعرفها المطّلعون .

1 المادة ( 74 ) منه :

إذا مات الولد ذكراً كان أو أنثى قبل وفاة أبيه أو أمه فإنّه يُعتبر بحكم الحي إذا مات أيٌّ منهما ، وينتقل حقه من الإرث الى أولاده ذكوراً كانوا أو أناثاً ، بما إصطُلح عليه بالوصية الواجبة ، على ألّا تتجاوز ثلث التركة .

بينما يعتبر مشهور الفقهاء ذلك أكلاً للمال بالباطل إذا لم يرض بقية الورثة .

وهكذا ، توجد مواد أخرى فيها مثل هذه المخالفات الشرعية ، اقتصرت على المهم منها .

📌 لذلك فالتعديل الى ما يكفل عدم وقوع الناس في إشكالات شرعية ، لا سيّما في القضايا التي تتعلق بالأعراض والنسل والأموال من الضرورة بمكان .

📌 وأمّا الإشكال بأنَّ التعديل سيُقَسّم المجتمع ويثير حساسيات طائفية فهو مجرد تهويل لا مبرر له ؛ لأنَّ الذي يطّلع على التعديل فسيرى أنّه لم يؤسس شيئاً جديداً ، غاية ما هناك أنَّه أرجع ما يتعلق بالأحوال الشخصية الى مؤسستيَن قائمتين بالفعل هما الوقف الشيعي والوقف السُنّي .

📌 وأمّا الإشكال بأنّه قد يؤدي الى الإخلال بحقوق المرأة فهو تسويل من تسويلات الشيطان ، إذ الشريعة الإسلامية هي التي تحفظ للمرأة حقوقها وكرامتها وعزّها .

📌 فإذا كان المقصود أنَّ الشريعة تجيز زواج البنت بأقل من عمر ال ( 18 ) سنة بموافقة الولي الشرعي .

فجوابه :

إنَّ الشريعة أجازت ذلك ، ولم توجبه ، فغاية ما تقوله الشريعة إنّه وبعد دراسة كون الزواج صالحاً للطرفين فإنّه جائز بعد موافقة الولي ، وهو الأب عادة ، وليس هناك مَن هو أحرص من أبٍ على مصلحة ولده أو بنته إلّا مَن شذّ ، على أنَّ للقاضي الشرعي أنْ يرفض الموافقة على زواج ما إذا رأى عدم توافره على أسباب النجاح .

بل إنَّ الإشكال نفسه إنْ كان وارداً فيرد على سن ال 18 ) الذي أوجبه القانون الحالي ايضاً ، إذ البنت وكذا الولد قد لا يكونان مؤهليَن حتى في هذا السن ، بل حدّدت دول أخرى سنّاً آخر هو بلوغ ال ( 21 ) عاماً أو إكمالها !

وعليه فالمدار يدور على توافر الأهلية ، وهذا ما أقره القانون في الفقرة الأولى من مادته الثامنة .

إذ جاء فيها :

” إذا طلب مَن اكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فللقاضي أنْ ياذن به إذا ثبت له اهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي … ” .

📌 وأمّا الإشكال بأنَّ ذلك قد يسلب حق الأم بحضانة أولادها عند الطلاق ، وهو ما يكفله القانون الحالي .

فجوابه :

إنّه بعد إكمال سن الرضاعة ، فعادة ما يكون الأب أكثر قدرة على رعاية أطفاله ، لا سيّما مع إشتراط كونه مؤهلاً ، هذا من جهة .

ومن جهة أخرى : في ذلك تخفيف عن كاهل الأم ؛ فهي في العادة تعود للسكن مع أهلها ، أو تتزوج ، وفي كلتا الحالتين يكون بقاء الأطفال معها فيه من الحرج ما لا يخفى .

📌 وأمّا الإشكال : بأنَّ التعديل قد يؤدي الى السماح بتعدد الزوجات .

فجوابه :

إنَّ جواز التعدد إنّما هو حل لمشكلة إجتماعية واضحة للعيان ، اذ عادة ما يضطرب التوازن بين عدد النساء والرجال ؛ لتعرض الرجال للمخاطر في الحروب وغيرها أكثر من النساء ، ولذلك يكون عدد النساء – في أغلب الشعوب – أكثر من عدد الرجال .

ولأجله فالتعدد يصب في مصلحة نوع المرأة ، وإنْ لم يكن أحياناً في مصلحة هذه المرأة أو تلك .

ولو كانت الجمعيات النسائية تبحث عن مصلحة الغالب من النساء لطالبت بالتعدد ، لكنَّ الكثير من المتصديات للجمعيات النسوية لا يدركْنَ ذلك ، أو هنّ ممَن يؤدّينَ أجندة مشبوهة .

📌 أجوبتي هنا على وفق مذاق المعترضين والمعترضات ، وإلّا فالمفروض أنّنا نتّبع ما جاء به محمد وآل محمد .

( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّـهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّـهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) .

📌 على أنَّ هناك مشكلة أعمق ترد على القضاء الوضعي برمّته حتى في غير الأحوال الشخصية ، حاصلها :

إنَّ الفقهاء يفتون بحرمة التقاضي عند ذلك القضاء ، إلّا إذا انحصر تحصيل الحق بذلك ، وهو ليس منحصراً ما دام يمكن تحصيله بمراجعة مؤسسة شرعية تصطبغ بصبغة قانونية رسمية ، يُوضَع لها قانون مصدره الشريعة .

فلماذا نُوْقع أهلنا وقضاتنا في الحرام ؟!
مع أنّنا يمكن أنْ نؤسس لذلك مثل هذه المؤسسة التي تُراعى فيها أحكام الله سبحانه .

فهل نحن أكثر حكمة في قوانيننا ممَن خلق هذا الكون والإنسان وشرّع له ؟؟!

( سُبْحانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) .

عظّم الله أجوركم .

[ حسن عطوان ]
17 / محرم الحرام / 1446 هج .