لنظرة القاصرة في زواج القاصرة (١)
الشيح حسن النحوي ||
بشكل عام لا يمكن فهم قانون جزئي بمفرده وبمعزل عن منظومته القانونية كاملة وكوحدة واحدة متناسقة ومنتظمة لتكون بكاملها شيئاً إيجابياً معقولاً منطقياً مقبولاً فيفهم ويقدر على واقعه الحقيقي. وفي مثالنا هذا يمكن تطبيق ذلك من حيث فهم منظومة قوانين النكاح مثلاً واستعراض أحكامه وغاياته وفلسفة تشريعاته ليتسنى بعد ذلك الحكم على هذه الاحكام وهذه المنظومة التي تنظم الحياة الاجتماعية والعلاقات الاسرية بكل تفاصيلها وتعالج أدق مشاكلها وتبين الحقوق والواجبات لكل الاطراف وكيفية التعامل من الالف إلى الياء. فنرى غايات الزواج مثلاً وفلسفته فنعرف الحكمة من تشريعه وملاكه، فإن الله تعالى جعل فينا تلك الشهوة العارمة وإعطانا معها عقلاً وإرادة يمكننا من خلاله تهذيب تلك الشهوة المودعة فينا منه تعالى والتي لولاها لما حصلت الرغبة في الزواج ومن ثم تحمّل تربية الابناء بعد الحمل بهم وصعوبة إنجابهم من قبل الام وصرف الاموال والاوقات والجهد والتحمل للاعباء من الآباء لأجل ذلك. فجعل الله تعالى أحكاماً خاصة لذلك بعدما جعله فينا جزءاً حيوانياً وجزاءاً ملائكياً ، فأصدر تعالى أحكامه المناسبة لنا مع تقدير هاتين المسألتين اللتين أودعهما فينا (الشهوة والعقل) فلم يبح لنا كل شيء نزولاً عند الرغبة والشهوة الحيوانية، ولم يرد منا في المقابل أن نكون ملائكة وهو يعلم أنه أعطانا شهوة حيوانية عارمة ، فبالتالي فإن الموازنة بين هاتين الصفتين هو ما حصل في أحكام الحلال والحرام. وبما أن البشر ليسوا بمرتبة واحدة وإنما بمراتب وطبقات مختلفة فقد تنوعت الاحكام، بحيث توفر الارضية المقبولة لجميع الفئات بحسب طاقتهم وتحملهم للاحكام ، مع وجود الصفتين اللتين أشرنا إليهما آنفاً. فشرّع الاسلام نوعين من أنواع الزيجات وهي: الزواج بعقد، والزواج بملك يمين (شراء، كما كان متيسراً للاغنياء في الزمان الماضي). أما الزواج بعقد، فقد نوعه أيضاً وجعله زواجاً دائماً، ومؤقتاً، وكذلك بالنسبة الى العدد والتعدد, وكذلك قسمه الى زواج بصغيرة وزواج بكبيرة, والزواج بالكبيرة, أيضاً متنوع وهو الزواج بالبكر وبغير البكر, وملك اليمين أيضاً له أنواع وأقسام كتزويجها من غيره أو إباحتها لغيره أو كونها مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد وغير ذلك .فلكل هذه الانواع ولكل هذه الاقسام أحكام خاصة تختلف بها عن غيرها وتتشابه ببعض الاحكام الاساسية والحقوق والواجبات وروح الزواج وغاياته. فالزواج له غايات ومبررات وملاكات عند توفرها يكون أمراً مستحسناً مستحباً بل قد يجب، فمن غاياته حفظ النسل البشري والبقاء لبني البشر لا ستمرار الحياة وإلا لانقرض الجنس الانساني مع الموت المستمر والامراض والحروب من دون الزواج والانجاب. والامر الآخر من الغايات، هو الحفاظ على النفس من الانزلاق إلى حضيض الفساد والافساد والدعارة والامراض واختلاط النسب وضياعه بين هذا وذاك، فلا يعرف هذا إبن من وهذا أبٌ لمن لو لم يقنن الجنس بالزواج وبأحكام الزواج والطلاق والعدة، واقتصار الزوجة على زوج واحد ما دامت عنده ويستطيع إتيانها انى شاء فبذلك تحفظ الانساب وتقوى علاقات الاسرة والابوة والبنوّة بأحسن صورها.
وبعد معرفتنا لهذه المقدمات من غاية عدم الوقوع في الحرام والفساد والافساد, ومن ثم الانتظام في منظومة مقبولة محصنة, وكذلك لكون البشر مختلفي الطبقات ومتعددي الحالات والرغبات والقابليات, فتح الاسلام هذه الابواب المتعددة والانواع المختلفة لضمان حاجات الانسان دون السقوط في هاوية الحرمان أو الانزلاق في مهاوي الشيطان. فشرّع الزواج بالصغيرة سواء بين صغيرة وصغير أو كبيرة وصغير أو صغيرة وكبير لقضاء بعض الحاجات وتحصيل بعض الغايات وتأمين بعض المصالح والفوائد التي تصب في حفظ الانسان وتأمين حياته وحاجياته المادية والروحية والجنسية كما سنشير إلى بعض ذلك في النقاط الآتية إنشاء الله تعالى. فالنتيجة، أنه ليس من الصحيح الحكم على مسألة فرعية لمنظومة كبيرة وقوانين عامة ونظام متكامل لوحدها دون منظومتها ودون وضعها في مكانها وحجمها الحقيقي داخل تلك المنظومة، ومن ثم يجب وضعها في مكانها وفهمها من خلال كل المنظومة وأحكامها ثم مقارنة ذلك بالسلبيات إن كانت لها .
يتبع …