الإرهـــاب القيــمي مرة أخری..!
د. أمل الأسدي ||
لم تكن في ثقافتنا ومجتمعنا ـ سابقاـ مناطق رمادية بما يخص المرأة، فالصالحة صالحة، والملتزمة ملتزمة، والمتحررة متحررة وليس لها علاقة بغيرها، حتی كنّا نتعجب من رؤية المسلسلات المصرية وبعض لقاءات الفنانات وهن يتحدثن عن الدين والقيم والطريقة الأنموذجية السليمة في الحياة، ونضحك ونقول جماعة” ساعة لربك وساعة لقلبك”
ونتعجب حين نری يوميات الفنانات المصريات في رمضان بعد الإفطار، نعم ..نتعجب لأن هذه الظواهر لم تكن موجودة في واقعنا!
حتی أن الكثير من المطربات والفنانات العراقيات يتحدثن بحذر في موضوع يتعلق بالدين أو المنظومة القيمية أو الحلال والحرام، فيحترمن الغالب السائد مقابل احترام الأغلبية لهن ولحريتهن في حياتهن!
وحتما قد صادف بعضنا مطربة ما، أو مشهورة ما وهي تزور وتدعو أو تراجع في دائرة ما وهي مغطية وجهها أو تلبس عباءة عادية حتی لاتثير جدلا ولاتسبب لنفسها الحرج!
كُنا هكذا حتی جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتزلزل حياتنا، ولتفتح الباب لكل من هب ودب أن يصبح مرشدا ومصلحا، وممثلا، ويتحدث باسم الجميع!
حتی جاء الفيسبوك والمنظمات غير الحكومية لتهشم صورة المرأة العراقية وتغتال تأريخها، وتشوه صورتها، وتحصرها في خصائص شكلية سطحية مقززة، وتقولبها في قالب غربي هش يردد ما يسمعه فقط!
هكذا وجد الأمهات المجاهدات والسيدات الفضليات أنفسهن مبعدات، مهمشات، ووجدن تضحياتهن في مهب الريح، وضاعت سنوات الصبر والقوة والثبات التي بنتها المرأة العراقية البطلة التي قاومت وتحدت وربت وصبرت وقهرت ظروف الحرب وويلاتها، قهرت ظلم الطاغية وملاحقته، قهرت الجوع والحرمان!
الآن، كيف نوقف هذا المد؟ كيف نمنع المتهتكات من لعب دور المرشد الناصح؟
وكيف نحافظ علی تأريخ المرأة العراقية؟
وكيف نضع حلقات وصل وترابط بين بناتنا وأمهاتنا؟
مثلا: كيف نحمي بناتنا من مغمورة تعمل بأجر وتتلقی آوامر بمجموعة واتس اب، وتتزوج في كل عام ، ويشاهد الناس من جسدها كل ماهو ممكن، كيف نحمي بناتنا من هذه النماذج التي تظهر بمظهر المصلح المربي؟ وتعلم بناتنا علی الصراخ والتجاوز والتــعري؟
هل هناك مؤسسة تعمل بجد وموضوعية بعيدا عن ردود الأفعال التي تريد تخلصنا من التفريط، فتوقعنا في الإفراط!
أين مؤسسات الدولة؟ أين الجامعات؟
في خضم هذه الفوضی ظُلمت المرأة العراقية ومازالت تُظلم، نتيجة عبث وسائل التواصل الاجتماعي التي حولت الجهلة الی دعاة، والمفسدين الی مصلحين، والمبتذلات الی عفيفات، وجمعتهن في هذه المناطق الرمادية المضللة، الضبابية!
لو كانت مؤسساتنا رصينة وقوية، لأحكمت عملها، وسدت الثغرات، وأتمت كل شيء، ثم أقدمت علی طرح موضوع التعديل أو غيره من الموضوعات، بدل أن تترك مصائرنا وأسماعنا وأوقاتنا بيد فلان وفلانة
وعلان وعلانة!
لقد تعرض المجتمع خلال هذين الأسبوعين لموجات من الإرهـاب القيـمي وجرعات زائدة من التلوث السمعي والبصري!