العنوان: الفطرة الإدارية والقيادية: موهبة تتجاوز حدود التعلم
د. عامر الطائي |!
إنّ الوعي الإداري والقيادي فطرة إلهية تميز بعض الناس عن غيرهم، فليست الإدارة مجرد علم يدرس في المدارس والجامعات، بل هي فن ومهارة تتطلب موهبة فطرية تتجلى في الشخص منذ ولادته. هذه الموهبة ليست مكتسبة بالتعليم النظري وحده، بل تنبع من أعماق النفس البشرية التي خُلقت بقدرة على قيادة الآخرين وإدارة الأمور بحكمة وحنكة.
من يُولد بالفطرة الإدارية، يجد نفسه قادراً على اتخاذ القرارات الصحيحة، وقيادة فريقه نحو النجاح، حتى دون أن يخضع لدروس نظرية في علم الإدارة. إنه يمتلك بديهية فطرية في قراءة المواقف وتحليلها، واختيار أفضل الطرق لحل المشكلات، وتوجيه المجموعة نحو تحقيق الأهداف. هذه الفطرة هي ما يجعل البعض قادة بالفطرة، بينما يعجز الآخرون، مهما بلغوا من علم وفلسفة، عن تحقيق النجاح في الإدارة والقيادة.
ولا يمكن للتعليم وحده أن يمنح هذه الفطرة لمن يفتقر إليها، ولكنه يمكن أن يصقلها ويعززها عند من يمتلكها أصلاً. فالتعليم هنا لا يغني عن الموهبة، ولكنه يكملها. والتجربة الحياتية هي العامل الآخر الذي يساعد في تفتح هذه الفطرة. فإذا كان القائد يتمتع بالموهبة الفطرية، فإن التعليم والتجربة سيجعلانه أكثر خبرة وحكمة في استخدام هذه الموهبة في المواقف العملية.
وهذا ما نجده في القيادات الربانية، حيث تشير الروايات إلى أن الأنبياء أنفسهم خضعوا لتجارب حياتية تهيئهم لدورهم القيادي، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: “ما بعث الله نبياً قط حتى يسترعيه الغنم، يعلمه بذلك رعية الناس”. فهذه التجربة البسيطة في ظاهرها، كانت تدريباً عملياً على تحمل المسؤولية ورعاية شؤون الآخرين.
إن العمل في الرعي قبل النبوة هو مثال على كيفية التمرس بالقيادة من خلال التجربة، التي تتكامل مع الفطرة الإدارية التي منحها الله للنبي. فإذا كان الأنبياء، وهم معصومون، قد احتاجوا لهذه التجربة لتفعيل فطرتهم القيادية، فإن القادة غير المعصومين بحاجة أكبر لهذا التمرس والتعلم.
إن الفطرة الإدارية هي موهبة ربانية لا يمكن اكتسابها بالتعليم النظري وحده. إنها نداء داخلي يدعو الشخص ليكون قائداً بالفطرة، ولكن هذه الموهبة تحتاج إلى تجربة وتعليم لتزدهر وتؤتي ثمارها في الحياة العملية. ومن هنا، فإن القائد الحق هو من يجمع بين الفطرة الفذة والتجربة العملية، ليقود بحكمة ونجاح.