ربح الواقع وخسر المواقع..!
عبد الكاظم حسن الجابري ||
مر المجلس الاعلى بهزات عنيفة خلال مسيرته في ما بعد عام 2003, أولى تلك الهزات تمثلت باستشهاد السيد محمد باقر الحيكم قدس سره في النجف الأشرف, بانفجار سيارة مفخخة, بعدها الهزة الاخرى باستشهاد السيد عبد العزيز الحيكم طاب ثراه عام 2009, تلاها هزة اعنف بانشقاق منظمة بدر بقيادة الحاج العامري عنه, ثم لنصل إلى العام 2017 حيث كان المفاجأة المدوية والتغير الدراماتيكي في قيادة المجلس الاعلى, حيث اعلن رئيس المجلس الاعلى وقتها السيد عمار الحكيم خروجه من عباءة المجلس وتأسيسه لتيار جديد تحت مسمى تيار الحكمة الوطني.
في خضم هذه الاحداث وشماتة الاعداء توقع كثيرون ان المجلس الاعلى آيل الى زوال, وانه يلفظ انفاسه الاخيرة ككيان سياسي له تاريخ عريق في مقارعة الدكتاتورية ومن ثم الاسهام في بناء عراق ما بعد 2003.
لكن جرت الامور بما لم يتوقعه المحللون والمتابعون والمتربصون, فقد لملم المجلس الاعلى شتاته, ونظم عقده, واعلن عن تشكيل قيادة جديدة برئاسة سماحة الشيخ همام حمودي وبدأ بإعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة من جديد.
مع هذا التنظيم واعادة الروح للمجلس الاعلى, اصر المتربصون على ان المجلس لن ينهض, وما هذا الانبعاث الا –صحوة موت- كما يعبرون في الدارج, الى ان وقفنا على نهايات عام 2023حيث اجريت انتخابات مجالس المحافظات.
انخرط المجلس الاعلى بكيان انتخابي اسمه ابشر يا عراق, هذا الكيان حقق ما لم يكن متوقع, فقد حصد اصوات كثيرة, جعلته في المقدمة, وفي طليعة الكتل الفائزة, حيث حصد 9 مقاعد في المحافظات وهذا ما لم تحققه احزاب متصدية وبيدها الحكم ولها تاريخ طويل كحزب الدعوة الاسلامية.
لقد اقر الواقع بالأفضلية للمجلس الاعلى, واصبح رقما صعبا ومهما في عملية اختيار الادارات المحلية, وكنا نتوقع ان يحصل المجلس على مواقع مهمة في هذه الادارات, على الاقل الفوز بمنصب محافظ لأحدى المحافظات او رئيس مجلس محافظة ونواب محافظ في غيرها الى بعض المواقع حسب النسب والحصص للكتل الفائزة.
كانت المفاجأة بحجم الكارثة, وخصوصا لجمهور المجلس الذي صوت له, حيث لم يحصل المجلس الاعلى على اي موقع يؤهله لخدمة جمهوره, فوجود عضو مجلس محافظة واحد في مجلس فيه كتل متفقة لن يمكنه من خدمة الجمهور كما لوكان رئيسا للمجلس او محافظا لها او نائبا للمحافظ.
حينما تصفحنا سبب هذا التراجع وجدنا ان المفاوض المجلسي لم يحسن الاداء, وان المجلس حسب ما سمعنا قد اوكل التفاوض لكل عضو فاز, ولكل مكتب في محافظته, وهذا الامر جعل المجلس في تشتت وقلة عدد امام الاخرين, فانت تفاوض وحيدا ليس كما تفاوض مجتمعا, ثم ان ايكال التفاوض الى الاعضاء سيؤدي الى مشكلة قد –وهنا نقول قد- يقوم العضو معها بالتفاوض لنفسه للحصول على المكسب او المنصب.
كان الاحرى والاجدى للمجلس ان يشكل لجنة فنية متقنة لما تقوم به, تفاوض عن جميع المحافظات كسلة واحدة, وان لا تقبل بخسارة هذا الثقل الذي يؤهل المجلس للقيادة, لان بخسارة المواقع فان المجلس سيخسر الواقع اذ انه بعمله هذا “وفشله ” في ادارة التفاوض سيسلبه حالة التمكين التي من خلالها يخدم جمهوره وابناء محافظته, كما انه لن يتمكن من ابراز اداء كوادره, فلو كان المجلسيون في مواقع تنفيذيه وينجحون لكان اعظم انجاز يحققه المجلس, وسيعيد ثقة الشارع بمؤسسة المجلس الاعلى, فما ليس خافيا على جميع من يتابع الشأن السياسي والاجتماعي ان المسؤول التنفيذي اكثر معرفة واكثر شهرة من المسؤول التشريعي او الاداري, وان الناس في حوائجها بعد الاتكال على الله تلتجئ الى المسؤول التنفيذي اكثر من لجؤها الى التشريعي, فالإجراءات مع التنفيذي اسرع للتنفيذ منها مع التشريعي.