الأربعين عصيّة على الظالمين..!
كوثر العزاوي ||
وأنا أتصفح مواقع الأخبار كعادتي، لفت نظري خبرًا تصدّر المنصات المتنوعة فاعتصر له قلبي ألَمًا وتوقفتُ عنده، لقد أجّج خبر اعتقال الشاب البحريني حزني وأخذني مرغمة الى تلك الحقبة البعثية المظلمة التي خيّمت على العراق الى مايقارب الأربعة عقود من عمر الشعب العراقي الجريح، وقد تذكرت إذ لم أنسَ، كيف تذوّقنا فيها حنظل القمع الوحشيّ المتنوّع المذاق، عندما كان طاغية العراق صدام على هرم الحكم، وكان التوتر يطغى على طريق الزيارة الأربعينية، وطالما حدثت صِدامات بين الزوار وقوى الأمن وأزلامه، حيث شهدت عنف واعتقالات وسقوط ضحايا في صفوف”المشاية”، وكان ذلك أحد الأساليب المتعددة التي تسعى إلى قمع الزائرين القاصدين زيارة الحسين”عليه السلام” بهدف التأكيد على طمس ذكر هذه الشعيرة المقدسة -الزيارة الاربعينية- بكل وسائل البطش والتنكيل، ورغم ذلك ترى رجال الدين آنذاك وطلبة الحوزة وأعداد كبيرة من الشباب من عوام الناس، يسلكون طرقًا نائية متعرجة، وكان عددا منهم يتوجه صوب كربلاء الحسين من خلال طريق أطلق عليه اسم “طريق العلماء” يمر عبر بساتين النخيل على ضفاف نهر الفرات في مدينة النجف والكل خائف يترقب، ولطالما ذهب في طريق الحسين يوم أربعينيته ضحايا وقرابين، ولطالما شكّلت هذه الشعيرة خطرا على طاغية العراق صدام المقبور، ليجعل منها هدفًا لمراميه والوقوف ضدها بأنواع الوسائل القمعية، للحيلولة دون استمرارها،”وَلكنَّ اللهَ أَبَى” والجدير بالإشارة، بأنّ حكام دولة البحرين لم يحفظوا الدرس جيدا ولم يستفيدوا من مصير طاغوت العراق ومآل عاقبته القذرة لعلهم يحذرون، فلا عجب أن ينسى حكّام الظلم والجور بأن الظلم لايدوم مع القمع، وإن خنق الحريات وحرب المعتقدات لم تصمد مهما بلغ التجبّر والطغيان، وإنّ المتلسطون على رقاب المسلمين في الدول الاسلامية اليوم ومنها البحرين وطاغوتها المطبّع “حمد آل خليفة” لم يفهموا معنى عقوبة السماء لمن نصب العداوة لأتباع آل محمد “عليهم السلام” لا لذنب اقترفوا سوى اتّباعهم وولائهم وعشقهم لأبي الأحرار وسيد الشهداء الحسين “عليه السلام”، وما حادث الاعتقال والسجن لذلك الشاب المؤمن من أهالي البحرين، وهو في طريقه إلى حرم سيد الشهداء في كربلاء وهو ليس الأول من نوعه، ومالسجون التي تضجّ بأتباع آل محمد، إلّا دليل على قمع الحريات والبطش والتنكيل بأصحاب العقيدة الحسينية، وإنّ الشاب المظلوم هو الآن قيد الاعتقال والتعذيب، نسأل من الله تعالى أن يفرّج عنه، ويُري أولئك الظالمين أعداء الحق يومًا يكون مصيرهم كما طاغية العراق الذي حارب وبطش وعلى مدى أربعين عامًا في محاولة لإخماد جذوة الشعائر الحسينية ومحو آثارها ولكنّ الله أبى إلّا أن يُريَه سوء عاقبة ظلمه في الدنيا قبل الآخرة، وإنّ إمهال الله سنّة في عباده، فقد جاء ذلك اليوم الذي هلك فيه طاغوت العراق وأزلامه الى حيث مزبلة التاريخ، لتبقى زيارة الحسين “عليه السلام” ترفل بالعلو والخلود، وهي الشاهد على التاريخ، والحجة على كلّ من تسول له نفسه في محاربتها من فراعنة اليوم، أمثال بنو خليفة وبنو سعود، وليتأملوا إن كانوا غافلين، بإنّ هذا الزحف المليوني الذي يشاهده كل العالم، سوف لن توقفه عجلات القمع الإستكبارية وحلفائها مهما حاولوا، كما لن تؤثر أساليب المنع الحاقدة بعشاق سيد الشهداء “عليه السلام” لأنهم غير آبهين لما أعدّ لهم حكام الجور من أحفاد بني أمية، فقد شهد التأريخ في الماضي القريب على بوار تجارتهم في التخطيط للقضاء على الشعائر الحسينية وأهدافها، كما باءت جميع محاولاتهم بالفشل على مدى قرون، وفي كل عام تحيا هذه الشعيرة ولاتزداد إلّا قوة وهيبة وارتفاعا، ومالدماء التي أريقت على هذا الطريق عشقا إلّا شاهد على استمرار صداها، بل هي من عبّدت الطريق أمام رسوخ مبادئها، وإنّ من أعظم مكتسبات شعيرة الأربعين العالمية، هو تصديق ماقالته عقيلة الطالبيين بوجه الطاغية يزيد في يوم الطف، في كلمة خالدة لم يمحها الدهر: {فَوَ الله لن تمحو ذكرنا}.
{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} الأعلى ٩
٨-صفر-١٤٤٦هجري
١٣-آب-٢٠٢٤ميلادي