دموع الوفاء: رحلة القلوب العاشقة نحو كربلاء الحسين (ع)
د. عامر الطائي ||
تدمع العين وتفيض بدموعها، والقلب يذوب شوقًا وتلهفًا، حينما أرى تلك الجموع المؤمنة وهي تتجه صوب كربلاء المقدسة، صوب الحسين (عليه السلام) إمام التضحية والفداء. لا يملك الإنسان في تلك اللحظات إلا أن يستسلم لدموعه التي تنسكب خاشعة أمام هذا المشهد الذي يشد الأنفاس ويأسر القلوب.
هذا الصباح، وبينما كانت الشمس تنشر أشعتها الذهبية على الأرض، وقفتُ متأملاً تلك الصورة التي لن تغيب عن ذاكرتي. آلاف المركبات، محملة بالشباب المتشح بالسواد، يملؤون الأفق بأملٍ عظيم وإيمانٍ لا ينكسر. قلوبهم معلقة بكربلاء، لا تعرف غير الحسين حبًا ولا غير خدمته سبيلًا. هؤلاء الفتية الذين تركوا خلفهم متاع الدنيا، وتخلّوا عن كل شيء في سبيل خدمة زوار الإمام، هم تجسيدٌ حي للتضحية والإيثار، هم أبناء الحسين الذين يتبعون خطاه بإيمانٍ راسخ وعزيمةٍ لا تضعف.
كل خطوة يخطونها نحو كربلاء هي خطوة نحو السماء، وكل حركة يقومون بها في خدمة الزوار هي تعبيرٌ عن الولاء المطلق لإمامهم. أراهم ينحنون تواضعًا أمام كل زائر، يبذلون كل ما يملكون من جهد ومال، وكأنهم يقولون: “يا حسين، نحن في خدمتك، يا حسين، نحن فداءً لك.”
في عيونهم أرى الشوق وفي وجوههم أرى النور الذي ينبعث من حبهم العميق للإمام. إنهم يسيرون نحو كربلاء وكأنهم في رحلةٍ نحو الفردوس، قلوبهم معلقة بتلك الأرض التي شهدت أسمى معاني الإنسانية وأرفع درجات الإيمان. لا توجد كلمات تصف تلك الحالة التي يعيشونها، فهي مزيج من الحب، الفخر، والشوق الذي لا ينتهي.
هذه الجموع، التي تتوافد من كل حدب وصوب، تجسد معنى الولاء الحقيقي لإمام الإنسانية. إنهم يسيرون في طريق الحسين وهم يعلمون أنه طريق التضحية، لكنهم ماضون بكل حب وثبات، لا يهابون شيئًا ولا يترددون. كل ما يملكون يضعونه في خدمة زوار الحسين، وكل ما يفعلونه هو تعبير عن حبهم العميق لإمامهم الذي خلّد ذكره في قلوبهم وأرواحهم.
هذا المشهد الذي شهدته صباحًا هو جزء من ملحمة الوفاء والإيثار، وهو دليل على أن حب الإمام الحسين (عليه السلام) ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو فعلٌ يتحرك في قلوب محبيه، يدفعهم إلى البذل والعطاء دون حدود. هو حبٌ يتجلى في كل تلك التضحيات التي تُقدَّم في سبيل خدمة زوار الحسين، وفي كل تلك القلوب التي آسرها حبه وتعلقت بروحه الطاهرة.
إنها كربلاء، قبلة الأحرار وملاذ المظلومين، وهي التي تجمع تحت رايتها كل من آمن بالحق والعدل. إنها كربلاء الحسين التي تعلمنا معنى العزة والكرامة، والتي تفتح أبوابها دائمًا لكل من يسعى إلى نور الهداية وحب الإمام.
يا كربلاء، أنتِ الأم التي تحتضن أبناءها بكل حب، وأنتِ النور الذي لا يخبو، والمكان الذي تهفو إليه القلوب وتذرف من أجله الدموع. فيكِ تتجلى معاني التضحية والولاء، وعلى أرضكِ تُكتب أعظم ملحمة إنسانية عرفتها البشرية.