الأحد - 08 سبتمبر 2024

💎 جواهر عَلَويَّةٌ: “لِلْقُلُوبِ خَواطِرُ سَوْءِ وَالْعُقُولُ تَزْجُرُ عَنْها..!

منذ 4 أسابيع
الأحد - 08 سبتمبر 2024

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||


📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِلْقُلُوبِ خَواطِرُ سَوْءِ وَالْعُقُولُ تَزْجُرُ عَنْها”

في جوهرته الكريمة هذه يدعونا الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى الحذر الدائم من خواطر السوء التي تراود القلب، تضلُّ تلحُّ عليه حتى توقعه في المحظور من الأمور فتنتهي به إلى عواقب وخيمة لا ينفع معها الندم.
والخواطر: جمع خاطر، وهو ما يتحرك بالقلب من رأي أو معنى. والخاطر أيضاً: ما يقع في النفس من أشياء، يقال: خطر الشيء في نفسي، أي: وقع. وأصله من الخطر، وهو: الاضطراب والحركة والتمايل، يقال: خطر البعير بذنبه، يخطر، خطراً وخطراناً: إذا حَرَّكه مرةً بعد مرةٍ، وخطر في مشيته، أي: تمايل.
وتنقسم الخواطر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: خواطر إيمانية: وهي ما يرد على القلب من معاني وأفكار محمودة.
القسم الثاني: خواطر شيطانية: وهي ما يرد على القلب ويدعو إلى الشر ومخالفة الحق.
القسم الثالث: خواطر نفسانية: وهي ما يرد على القلب من حظوظ النفس، ويسمى هاجسا.

ومبدأ كل علم وعمل هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل والقول، وبهذا يتبين أن صلاح الأقوال والأفعال التي تصدر من المرء مرتبط بصلاح الخواطر والأفكار، وفساد الأقوال والأفعال مرتبط بفسادهما.
ثم إن خواطر القلب يصعب التحكم بها إلا من شخص عصمه الله تعالى أو بلغ الدرجة العليا من التقوى، فمن علم أنه في محضر الله وتحت رقابته الدائمة، وأن الله تعالى لا يغفل عنه إذ لا تأخذه سِنَةٌ ولا نَوم، يعلم ما يجيش في صدره، وما يجول في خواطره، فإنه فتصير كل خواطره لله تعالى ولا يكون شيء منها سيِّئاً، أما نحن الذين لم نصل إلى هذه المرتبة ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لبلوغها، فإن كنا نعجز عن منع خواطر السُّوء أن ترِد على قلوبنا ففي إمكاننا أن نتحكَّم فيها ونطردها بوسيلتين اثنتين:
الوسيلة الأولى: العقل، وما سُمِّيَ عقلاً إلا لقدرته على الزجر والإمساك والكبح، فالعقل يزجر الخواطر السَّيِّئة ويقمعها إدراكاً منه بخطورة بقائها في القلب، لأن بقاءها تراود القلب يجعلها تتطوَّر من كونها خاطرة إلى تصوُّر، والتصوُّر يدعو المرء إلى إرادة الفعل، فيقع المرء في المحظور والمحذور، إن ذلك يتطلَّب من المرء أن يقوِّي عقله من جهة، وأن يبقيه حاضراً في جميع أحواله.
الوسيلة الثانية: أن يتذكر المَرْءُ عندما ترد على قلبه خواطر السُّوء أنه في محضر الله تعالى ويسارع في اللجوء إليه والاحتماء به والاستعاذة به من الشيطان ووساوسه، قال تعالى: “وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿200﴾ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ”﴿201/ الأعراف﴾.
إن مَسَّ الشيطان وهو الخواطر السيِّئة التي تطوف وتدور في فكر وقلب الإنسان، كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه، فيعمي ويطمس ويغلق البصيرة، ولكِنَّ تقوى الله ومراقبته وخشية غضبه وعقابه، تلك الوشيجة التي تصل القلوب بالله وتوقظها من الغفلة عن هُداهُ تُذَكِّرُ المتقين، فإذا تذَكَّروا تفَتَّحت بصائرهم، وتكشَّفت الغشاوة عن عيونهم فإذا هم مبصرون، إن مَسَّ الشيطان عَمىً وظُلمةٌ، وإن تَذَكُّرَ الله والاتجاه إليه إبصارٌ ونورٌ، وإن مَسَّ الشيطان تجلوه التقوى، فما للشيطان على المتقين من سُلطان.

فجر يوم الأربعاء الواقع في: 14/8/2024 الساعة (04:20)