ثورة إدارية وتغيرات جذرية شاملة نحو بناء دولة جديدة..!
محمد علي الحريشي ـ اليمن ||
يشهد اليمن ثورة إدارية شاملة وتغيرات جذرية واسعة في مختلف أجهزة الدولة الإدارية المركزية والمحلية، فالتشكيل الحكومي الجديد الذي جرى في مطلع الأسبوع الحالي ،لاقى إرتياحاً شعبياً كبيرا وهو مقدمة وخطوة أولى في الإتجاه الصحيح نحو تصحيح الإختلالات في مختلف أجهزة الدولة، لأن المشكلة الإدارية في اليمن لم تكن وليدة الفترة القصيرة الماضية من بعد مرحلة العدوان بل هي مشكلة متجذرة تراكمت بشكل متزايد خاصة من عام 1990 عقب إعلان دولة الوحدة اليمنية ،فقد تم تجميع الجهازين الإداريين للدولتين السابقتين في جهاز إداري واحد كبير وماحدث هو إن حكومة الوحدة أصبحت تضم أكثر من إثنين وأربعين حقيبة وزارية، الذي جرى هو تفصيل وعمل وزارات للوزراء وليس العكس،وبهذا أصبحت الحكومة اليمنية أكبر حكومة في العالم، لقد إرتكب النظام السياسي الجديد حينها مخالفات قانونية خطيرة فتم ضخ عشرات الآلاف من الكوادر الحزبية في الجهاز الإدارية للدولة تم تسكينهم بفتاوى إدارية من وزارة الخدمة المدنية بدرجة مدير عام إدارة ومافوق،فوق مستوى خريجي شهادات الماجستير والدكتوراة، أصبح الجهاز الإداري للدولة في حالة مفجعة من التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة أضعاف الإحتياج الحقيقي وتحولت معظم موارد الميزانية العامة للدولة إلى بند المرتبات ، نتج عن ذلك الوضع ممارسة سياسات إقتصادية خاطئة وقاتلة من قبل حكومة الوحدة والحكومات المتعاقبة على اليمن، دخلوا في مايسمى ببرامج الإصلاحات الإقتصادية التي تمت وفق توجيهات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين الزموا الحكومات اليمنية بعمل برامج إقتصادية سميت «بالجرع الإقتصادية» فتضاعفت أسعار جميع المواد الإستهلاكية أضعاف مضاعفة ونتج عنها تهاوي قيمة العملة الوطنية«الريال»إلى عشرات الأضعاف من قيمتها الشراءية،لدى قيادة الثورة إستشعار كبير بخطورة الأوضاع الإدارية الحالية التي يشهدها الجهاز الإداري للدولة اليمنية،وخلال الفترة المنصرمة من بعد تاريخ إقالة الحكومة السابقة وتكليفها بتصريف الأعمال إلى تاريخ تكليف الأستاذ أحمد غالب الرهوي بتشكيل حكومة البناء أي قبل إحدى عشر شهراً والقيادة تعكف على وضع المشكلات الإداريّة في محل دراسات علمية عميقة وتحليلات وحوارات ونقاشات على مختلف المستويات لإيجاد حلول جزرية تخرج اليمن من أكبر مشكلة إدارية واجهته على مدى الأربعة والثلاثين السنة الماضية،لأن من أولى أولويات أهداف ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014 هي القضاء على الفساد المالي والإداري، لأن التضخم الإداري لم يقف عند حدود الذي جرى في عام 1990 بل لقد كان للجهاز الإداري للدولة دفعات أخرى من الضخ الوظيفي الحزبي توجت بدفعة جديدة نتجت عقب عام 2011 من قبل حزب الإصلاح الذي ضخ عشرات الآلاف من كوادره فيةمختلف أجهزة الدولة المركزية والمحلية منهم خمسون الفاً تم ضخهم في قوام القوات المسلحة وقوات الأمن، فكان لابد من إصلاح جهاز الدولة الإداري،ماحدث من تغير جذري في قمة هرم الجهاز الحكومي للدولة الذي قلص عدد الحقائب الوزارية إلى النصف أي من 38 حقيبة وزارية إلى 19 وزارة فقط سوف يمتد التغيير الجذري على مستوى خطين، خط أفقي وخط طولي ليصل إلى نفس النتيجة وهي تقليص الهيكل الإداري إلى النصف، تغيير جذري أفقي داخل أجهزة الحكومة في المركز ليشمل الإمتداد إلى المؤسسات والقطاعات والمصالح الحكومية، وتغيرر جذري طولي يشمل إمتداد الأجهزة الحكومية في المحافظات والمديريات، سوف يصبح المكتب التنفيذي في المحافظة أو المديرية 20 أو 23 عضواً بدل من 40 أو 50 عضوا، وهكذا سوف يتقلص العدد بشكل أفقي داخل أجهزة السلطة المحلية في المحافظات والمديريات ليصل إلى مستوى الإدارات والأقسام،
حتى الجيش الكبير من وكلاء المحافظات سوف يتقلص العدد ليعود إلى وضع الإحتياج الحقيقي وكيل أو وكيلين بالكثير للمحافظة، فمن نتائج تقليص عدد الوزارات في الحكومة أنه وبشكل تلقائي سوف يتقلص العدد بنفس النسبة على الإمتدادات في المحافظات والمديريات،فعلى سبيل المثال وزارات التعليم الثلاث تم دمجها في وزارة واحدة فسوف يصبح إمتدادها في المحافظة والمديرية مكتب تنفيذي واحد فقط بدلاً من ثلاثة مكاتب تنفيذية، النتيجة العامة سوف ينتج فائض من الموظفين بالآلاف إذ لم يكن بعشرات الآلاف، فمن الخطأ الكبير حشر كل ذلك الكم الهائل من الموظفين الإداريين الفائضين داخل الهياكل الإدارية الجديدة للدولة لأن ذلك معناه كأن القيادة لم تجري أية تغييرات جزرية وسوف تضل المشاكل التي أرادت الدولة معالجتها موجودة بل سوف تتفاقم،هنا قد تحدث مشكلات كنتائج طبيعية لعملية الإصلاحات الإدارية، على القيادة الوقوف عندها بمسؤولية وبعمل برامج علمية مزمنة قصيرة ومتوسطة المدى لإيجاد حلول عادلة تضمن عدم تحميل الهياكل الإدارية للدولة من الموظفين فوق طاقتها وفوق الإحتياج الحقيقي للوحدة الإدارية وتضمن الحقوق الوظيفية للعمالة الفائضة،على القيادة أن لاتستعجل بخطوات التغيير الجذري خاصة في الهياكل الإدارية داخل السلطة المركزية في المستويات الثالثة والرابعة وفي هياكل السلطة المحلية بالمحافظات والمديريات،بل تمشي عملية الإصلاحات ببطىء وتأني وروية تراعي فيها النتائج المترتبة من عملية الإصلاحات الجذرية، أمام القيادة وسيلة قانونية لمعالجة جزىء من المشكلة وهي تفعيل قانون التقاعد مع حفظ حقوق الموظفين وفق القوانين النافذة،مسألة الإحالة إلى التقاعد بطريقة قانونية عادلة ووفق معايير قانون التقاعد سوف تحل نسبة كبيرة من العمالة الفائضة، هذا فيما يخص الإصلاحات الهيكليّة لمختلف أجهزة الدولة،هناك تغيرات جذرية موازية يفضل أن تصاحب التغيرات الهيكلية وهي عمل إصلاحات في السياسات والقوانين واللوائح والتشريعات لمختلف أجهزة الدولة لأن بعض القوانين والتشريعات تم تفصيلها على مقاسات مصالح حزبية وجهوية، إذا لم تعاد الأنظار في وضع بعض القوانين والتشريعات الحالية فسوف يضل الخلل قائماً والمشكلة موجودة وسوف تذهب جهود التغيرات الجذرية سدى وفي مهب الريح.