الكويت من الداخل..!
علي الشمري ||
أنفقت الكويت المليارات لدعم نظام صدام في الحرب العراقية الإيرانية ،ثم انفقت المليارات لتسقيط نظامه وتشويه صورة العراق وشعبه ،ثم مالبثت بعد إحتلال العراق أن حولت تلك الهبات الى ديون على العراق إضطر العراق الجديد الى تسديدها بقرار من مجلس الأمن الدولي سئ الصيت.
استخدمت الكويت الحجج الشريفة وغير الشريفة للدفاع عن قضيتها بعد الغزو، وكانت من تلك الحجج التي لا يمكن القول إنها شريفة استخدام سفير الكويت في واشنطن ووزير الإعلام بعدها سعود ناصر الصباح لابنته نيرة للتمثيل على أعضاء مجلس الأمن وإيهامهم بأنها طفلة كويتية قتل العراقيون أهلها وتمكنت المقاومة من تهريبها.
كما قامت بتمويل طلعات الطيران الأمريكي نحو العراق وتزويدها بالكيروسين المجاني وبناء قواعد أمريكية يضرب منها البلد الجار الوسيلة الوحيدة التي استخدمها نظام الكويت لاستهداف العراق حكومة ومدنيين، بل إن حكومة الكويت فتحت مراكز إعلامية في كل دول العالم لتمويل الحرب الدعائية ضد العراقيين وكانت تنفق أموالا طائلة وبلا حدود على نشر كتب دعائية ليس لها أية قيمة أكاديمية أو صحفية لترويج الأكاذيب ضد العدو المفترض أنه أصبح منهكا. وكانت هذه الكتب التي لا تجدها عادة إلا في السفارات الكويتية أو المهرجانات المؤيدة للكويت توزع مجانا، كما كان كتابها في العادة يتلقون مبالغ كبيرة عليها.
خلال الحرب العراقية الإيرانية أنفقت الكويت على تسليح الجيش العراقي أموالا كبيرة لم تكن لتنفقها لولا أنها كانت تفعل ذلك بالوكالة عن الولايات المتحدة لدرء ما يسمى بالخطر الإيراني.. وفي تلك المرحلة وصل هيام الطبقة الحاكمة في الكويت بالنظام العراقي إلى درجة كانت فيها صحف الدولة مسخرة للدفاع الأعمى عن سياسات البعث غير الموفقة بل وأطلقت الشيخة سعاد آل صباح قولتها المشهورة: “أنا امرأة من جنوب العراق”.
ولم تكن المشكلة في دعم الكويت لنظام صدام حتى في أخطائه القاتلة بقدر ما كانت في حجم ذلك الدعم ومدى تطرفه، فتجربة الكويت مع المد الناصري وحركة القوميين العرب وانفتاحها أيام حكم عبد الله السالم مع تأثر مجتمعها بكل الأطياف الفكرية والإيديولوجية في العالم جعلت حكومتها تعتقد بأن البراغماتية المطلقة واللعب على كل الحبال هي أسهل وأضمن الطرق للسباحة في كل الأمواج فكان مقياس الولاء هو قوة الطرف الموالى ومقياس الجفاء ضعف ذلك الطرف. فكانت الحكومة تدعم الناصريين وتقربهم أيام عبد الناصر ثم فعلت نفس الشيء مع البعثيين أيام مجد صدام ثم انقلبت أمريكية الهوى منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية والحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت، وما كانت تلك كلها إلا شعارات وسياسات زائفة كانت تخفي رغبة النظام السياسي في البقاء مع تقلب مفاجئ يسيء لصورة النظام وكذلك للشعب.
وكانت السياسة الكويتية ولا زالت قائمة على رشوة قادة الدول والجماعات التي تخشى على نفسها منها، وكان من بين سلبيتها أن الحكومة الكويتية حين كانت تغير موقفها من طرف كان قويا فضعف لم تكن تفرق بين القادة الذين كانت تنفق عليهم المال بسخاء ثم تنقلب عليهم أو ينقلبون عليها وبين الشعوب التي ينتمي إليها هؤلاء القادة. ولذلك صدرت تعليمات للسفارات الكويتية في الخارج بمقاطعة الفلسطينيين نهائيا ومطاردتهم إن أمكن بعد ما سمي بتحرير الكويت (واستخدام عبارة التحفظ سببه هو أن الكويت للأسف الشديد لم تتحرر على أيدي أهلها بل على يد محتل أكبر).
الفصل السابع مثل السيف الذي سلط على رقاب الشعب العراقي لارضاء حكام الكويت،ولرغبة أمريكا وبريطانيا عضوا مجلس الأمن في إبقاء للعراق تحت السيطرة، ولو أرادت أمريكا وبريطانيا أن ترفع عن العراق عقوبات الفصل السابع لفعلتا بترضية شكلية تتنازل الكويت فيها عن أموالها دون قدرة على الاعتراض.
وإن توهم الدبلوماسيين الكويتيين وصانعي القرار هنالك بأن المجتمع الدولي يقع تحت النفوذ المالي لبلادهم هو ضحك على أنفسهم قبل أن يكون ضحكا على الآخرين سببه الإصابة بالغرور النفطي الذي يتسبب غالبا في اتخاذ قرارات حمقاء تؤدي إلى تراكم الأحقاد التي يدفع ثمنها في الأخير الشعب الكويتي الطيب الشقيق. وآخر هذه الحماقات الحجز على ممتلكات الشركة الجوية العراقية بما دفعها إلى الشروع في إجراءات إعلان الإفلاس.
إن الدفاع عن حقوق أو مصالح دولة في دولة أخرى لا يتم برشوة كوادر تلك الدولة وإغراقهم بالهدايا وتوظيف أبنائهم في مؤسسات كبيرة وتجاهل رأي الشرائح الواسعة من المجتمع التي تعتبر قنبلة موقوتة في بلد كالعراق متقلب مرشح للانفجار وإن الأنباء الواردة عن قرب نبوض أحد أهم آبار البترول في الكويت يجب أن تكون الدافع لحكومة هذا البلد لمراجعة سياستها الخارجية لكي لا يدفع شعبها ثمن أخطائها.
الصراعات داخل الأسرة الحاكمة في الكويت لها تأثير كبير على سير الحياة في الكويت هو تجاوزها أفراد الأسرة نفسها عندما يستخدم الشيوخ أنصارهم من وزراء وموظّفين ، الى أعضاء البرلمان ، في تصفية الحسابات في ما بينهم ،لتنعكس سلبا على الوزارات ومؤسسات الدولة والمواطن.
إقالة الحكومات وإعادة تشكيلها أمر مألوف ومتواتر بشكل كبير في الكويت،لكثرة استقالة الحكومات الكويتية ،والاشتباك بالأيدي داخل قبة البرلمان. في السنوات الماضية اضطرت الأسرة الحاكمة في الكويت أيضا للجوء إلى القضاء لفضّ “اشتباك” بين وزراءها المنتمين للعائلة الحاكمة.
أما بالنسبة للسياسة الأمريكية، فلطالما كانت الكويت حليفاً ثابتاً وممتناً للولايات المتحدة، خاصة منذ عام 1991. وتطور هذا التحالف الى تأمين الكثير من المرافق للجيش الأمريكي، من بينها مقر “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب »عملية الحل المتأصل«”، والتي تنطوي على السماح بشن ضربات من القواعد الكويتية ضد أهداف في العراق وسوريا. ومن المرجح أن يستمر مثل هذا التعاون، على الرغم من أن بضعة أشهر من عدم اليقين قد تلوح في الأفق على المدى القريب بينما يفرض الأمير الجديد نفسه كحاكم ويحدد اتجاه حكمه للفترة المقبلة.
أخيراً، على الرغم من أن الكويت هي دولة مرادفة للثروة النفطية، إلا أنها شهدت ضائقة اقتصادية . لذلك قد يعتبر المنافسون في المنطقة أن الوقت قد حان لزرع بذور الاستغلال السياسي، ربما من خلال التدخل بالخصومات داخل عشيرة الصباح أو مجلس الأمة.