القناعة العقلية بالحكم الشرعي..!
الشيخ محمد الربيعي ||
إن التعقُّل يجب أن يكون في تجاذب وترابط القلب والعقل معا، يأخذ العقل ما يريد من مشاعر، ويحولها بعد ذلك إلى كلمات، فتتحول هذه الكلمات بعد التقييم والتعديل والتصويب إلى قناعات، والقناعات إلى مبادئ وقيم، والمبادئ والقيم تتحول إلى القناعة العقلية التي تتوافق معها القناعة القلبية، وبالتالي يتحول هذا التوافق إلى حراك للجوارح والجسد، فيكون فعل الجوارح على قدر هذا الفهم المترابط ودرجة وقوة جاذبية القلب للعقل.
محل الشاهد :
الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، يؤخذ من مصادره المعتبرة.
وجب علينا التزام فرضه، واجتناب حرامه، وإن خالف هوانا ورغباتنا. الطبيعي والعادي جدا أن ترى وتسمع شخصا لا يلتزم بالفرض ولا يجتنب الحرام بحجة عدم اقتناعه رغم كل ما ورد في المسألة من آيات وأحاديث ضاربا بها عرض الحائط، مؤمنا بنظرية مفادها أنه من المنقصة والسذاجة والامتهان للعقل وقدسيته أن يؤخذ حكم الله في المسألة بالتسليم بالدليل من القرآن والسنة دون اقتناع معتبرا ذلك تلقينا! داعيا إلى منهج جديد من إخضاع شرع الله الكامل لعقل الإنسان المتقلب الناقص وهوى النفس وتقديرها فما وافقه أخذه وما عارضه نبذه، هذا التقدير والهوى الذي يختلف ويتباين من شخص لآخر.
واليوم خرج علينا من خرج وهو ينادي ، بأن التزام الفرض واجتناب الحرام يحتاج القناعة وموافقة الهوى والرغبة للالتزام به .
في الإسلام هناك ما يؤمن به الشخص بالأدلة العقلية، وهناك ما يؤمن به بالأدلة النقلية، فالأمور العقائدية يكون الإيمان بها بأدلة عقلية، فيحتاج الإيمان بوجود الله الخالق ووحدانيته، وبأن القرآن الكريم كلام الله إلى دليل عقلي، قال تعالى: “أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ”.. وقال تعالى :”أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”، وحين يصبح الإنسان مسلما يصبح الالتزام بما ورد بعدها في القرآن والسنة بالأدلة النقلية بالتسليم وإن خالف العقل والتقدير والهوى. قال تعالى :”وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” وقال: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”.
إذا تجاوزنا وأخضعنا الأحكام الشرعية للقناعة وعدمها سنجد أن كثيرا من الأحكام إن أخضعتها لميزان العقل البشري الناقص بفطرته غير مقنعة! فما الذي يقنع في امتناع المرء في يوم شديد الحر في رمضان على الصيام عن الطعام ولذيذ الشراب؟ وما المقنع في أن تستيقظ من راحتك ونومك في يوم شديد البرودة لتتوضأ لأداء صلاة الفجر؟ وكيف تقنع شخصا بحرمانية الربا وهو إن أخضعناه لمنطق العقل يزيد المال وينميه؟ وهذا ما أشار الله إليه صراحة في آياته في قوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، كما ورد في السنة النبوية كثير من الأحاديث والقصص التي التزم فيها بالحكم فور تبليغهم وإن خالف هواهم.
ان القناعة بالشيء تعني الإيمان بأدلته، كذلك عدم القناعة به تعني الإيمان بأدلة أقوى وأرجح تثبت خطأ الأدلة الأولى وتنقض أدلة المقتنع بالشيء
فكثير منهم يبني قناعته تلك على مجرد الهوى أو ما يفرضه الواقع والمجتمع دون أدلة وحجج شرعية واضحة من الادلة الشرعية الصحيحة ، تنقض رؤية المقتنع وتثبت وجهة نظر عدم المقتنع في عدم اقتناعه، وحين تحاوره يكتفي عادة بالترديد لست مقتنعا فحسب دون أدلة شرعية .
حين تخاطب شخصا مؤمنا ورسوله ( ص ) واله ( ع ) ، ومقتنعا بأن القرآن كلام الله وما ورد فيه قطعي ملزم، وبأن الحديث النبوي مصدر للتشريع، فتجده إذا تجنب الالتزام بحكم ثابت وخاطبته ب قال الله وقال الرسول فيجيبك لم أقتنع! فعليه أن يراجع إيمانه، فماذا بعد قول الله ورسوله وال الرسول من دليل! وعن أي علل يبحث للقناعة بعدها! تخيل أن تقف أمام وجه الله الكريم وتقول له متحديا سافرا: شربت الخمر بحجة عدم الاقتناع بحرمانيته! لا يختلف الأمر كثيرا باستبدال المسألة ب ” خلعت الحجاب.. أكلت الربا.. تواجدت في مكان يسوده الاختلاط المحرم..”، فيكون الرد عليك ” قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ”، عدم قناعتك لا يخرجك من دائرة الحساب والمسؤولية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وحين تقف أمام وجهه فردا دون أهل أو مجتمع تتحجج به.
أدى البحث عن العلل العقلية للقناعة دون الأدلة الشرعية المعتبرة إلى الخوض في الخطأ فعللت الصلاة بالرياضة وصحة الجسم، والسجود بتفريغ الشحنات السلبية في الدماغ، والصيام بالشعور بإحساس الفقير، فلم إذن فرض الصيام على الفقير أيضا ولم يفرض فقط على الغني؟
التسليم المطلق للحكم الشرعي ليس منقصة ولا عيبا، ولا يعد امتهانا للمسلم وانتقاصا من كرامته، ولا يعني -كما يدعي بعض الجاهلين- بأن تركن عقلك على جنب وتخضع للتلقين! للعقل دوره، لكن لا يختلف أحد بأنه دوره ليس في محاكمة الحكم الشرعي وإخضاع شرع الله المثالي الكامل لتقييم العقل البشري الناقص العاجز فما وافقه أخذناه وما لم يقنعنا نبذناه!
وان كان للعقل موقعه و نفوذه و احترامه في بعض المواطن ، وإن اعتبر التسليم بالدليل تلقينا فنعم التلقين هو، للعقل دوره في الدين الفيزياء والكيمياء والعلوم المتنوعة التي حث الإسلام على الاستزادة منها، للعقل دوره في تقييم ما يعرض أمامك من أدلة فترجح أقواها وأبلغها بعد اطلاعك على علوم التفسير والحديث والفقه والاصول وغير ذلك ، وليس دوره أن ترد الحكم الشرعي لأنه لم يوافق العقل ولم يقنعه دون أدنى محاولة للاطلاع وإن ورد على ذلك الحكم أدلة شرعية.
ان الاصوات الصارة هنا وهنا ضد القوانين الاسلامية و تشرحاته او فصل السياسة عن الدين او فصل الدين عن القوانين الشخصية وغير ذلك كلها اصوات جاهلة مركبة الجهل حيث جهل اسس واساسيات التشريحة فوقعت في مصيدة الشيطان فكان محاربة شرع الله تعالى من حيث تشعر او لا تشعر وعلينا الالتفاته الى ذلك والاستغفار والتوبة
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه