المجتمع العراقي بين الديكتاتورية وفوضى الحرية..!
كندي الزهيري ||
المعروف بأن المجتمع العراقي مجتمع محافظ ومعتدل بذات الوقت، سعت الأنظمة إلى جعله مجتمعًا منغلقًا إلى درجة كبيرة، تمهيدًا إلى مرحلة أخرى وهي (فوضى الانفتاح) تحت عنوان الحرية. لو نظرنا إلى المجتمع خلال مدة حكم الدكتاتوري، لوجدناه مجتمعًا شبها مفككًا، بسبب الحالة الاقتصادية والحروب والخوف من جبروت الطاغية، غير مسموح له أن يعبر عن رأيه بالحد الأدنى من الحرية، إلى درجة أن العائلة أصبحت كالسجن أحدهم يخشى الأخرى، رعبا من الوشاية به في إحدى منظمات حزب البعث، فكم سمعنا كيف أن الزوجة تشي بزوجها والابن بأبيه وهله وإلى آخرة، لينتقل المجتمع إلى مرحلة الأخرى عنوانها الحرية المطلقة “فوضى الحرية ” ، هذه المرحلة نقلت المجتمع من وضع إلى آخر بشكل مفاجئ ، أصبح المجتمع المنغلق، منفتحًا بطريقة غير مسؤولة، وأصبح السب والشتم واحدة من الحقوق التعبير عن الرأي… اليوم أن نظرنا إلى المجتمع، نجد أن من يتحكم فيه ثلاث جهات، مسيطرة تمامًا على توجهات الشارع العراقي وهي:
– السفارات الأجنبية التي تتحرك بمشاريعها الليبرالية الفاسدة، وبحرية مطلقة هدفها زرع الثقافة الغربية وأفكارهم المنحرفة في المجتمع، بواسطة إقامة برامج واستقطاب واستثمار معاناة الشعب والفئة الشابة على وجه الخصوص، تمكنهم للقيام بتلك المهام، وهنا يصبح دور السفارات دور مشرف فقط.
– منظمات المجتمع المدني، التي تعمل أكثرها لنشر سياسة السفارات، مقابل أموال وامتيازات، هدفها ظاهره جميل وباطنه قبيح، تهدف إلى جعل المجتمع مجتمعًا خاويًا بلا هدف ولا قيم وليس له أي تأثير في مجريات الأحداث أيا كان نوعها.
– الإعلام المفتوح دون قيود أو ضوابط وعلى رأسها الإعلام السوشيل ميديا، وداء الطشه ، فعل الإعلام ما لم يفعله النظام الليبرالي الغربي الفاسد، جعل من المجتمع أداة تنفيذ جميع سياسات الفاسدة التي يطلقها الإعلام، تحريض و قولبة و تعميم و تسقيط ، و نسف القيم، و زرع أفكار الانحراف وغيرها، مستغل قلة الوعي، كذلك مستخدم العقل الجمعي، الذي فتك بالمجتمع. قلنا سابقًا والكثير ما أشار أصحاب الوعي، أن ترك الساحة للسفارات والأجندات المنحرفة مهما كان شكلها، وعدم وجود رادع قوي، سيجعل من شباب هذا البلد سلاحًا فعالًا بفرض أي نوع من السياسات في المستقبل القريب لمصلحة الغرب. في ٢٠١٩ م من أسقط حكومة السيد عادل عبد المهدي ليس الشعب، إنما المنظمات المجتمع المدني، التي استغلت مطالب الشعب وجندتها الأهداف الداعم والمستفيد من إسقاط تلك الحكومة، التي مع الأسف لم تقرأ الساحة بشكل جيد، ولم تتعامل مع الأحداث بما يتناسب مع تلك الفترة، فكانت الخسارة كبيرة، سفارات تدعم ومنظمات تحشد وعلام يحرض، وقوى سياسية لم تنتبه إلى بعد فوات الأوان، لاعتمادهم على آراء غير واقعية وغير ناضجة وفاقدة إلى الرؤية الستراتيجية. قبل مدة كان إعلام يضج بمشروع عيد الغدير، لم ينجح الإعلام بإيقاف ذلك القانون، بسبب عدم توفر الأدوات الأخرى،
بعد ذلك تم إطلاق شعار الإقليم السني، أخذ صداه، ولم ينجح كذلك لعدم تطابق الرؤى بين العناصر الثلاثة (السفارات- منظمات المجتمع المدني- والإعلام) في الوقت الحالي، لذا؛ عدّ الترويج له شبه فاشلًا… اليوم هناك هجمة شرسة تتوافق فيه العناصر الثلاث من جديد، هو قانون الأحوال الشخصية، منذ إطلاق هذا القانون، والهجوم غير مسبوق بحجج كثيرة ، الهدف أسقاطه وعدم إقراره الطامة الكبرى بأن الأمر أخذ أبعادا أخرى، إلى درجة أصبحت بعض المعترضات والمعترضين على القانون يتجاوزون على الذات الإلهية، وأن هذا القانون يعيدنا إلى الجاهلية، مع أن القانون مستمد شرعيته حسب تصريحات المتصدين من القرآن الكريم، والرجوع فيه إلى الحاكم الشرعي أو الفقيه الشرعي… السفيرة الأمريكية تعتبر أن هذا القانون هو تراجع خطير بالحريات! والمنظمات المجتمع المدني تطلق ذبابها -من جديد- بمساعدة الإعلام، لإسقاط هذا القانون. ليس مهما أن يقر أم لا ، المهم الآتي؛ هل من أطلق هذا القانون أجرى استبانة ليعرف مدى استجابة المجتمع لهذا القانون!، هل قرأنا الساحة جيدا قبل إطلاق أي قانون أو أي قرار!، هل لدينا مؤسسات قادرة على مواجهة التحديات الخطيرة التي تقود المجتمع إلى المجهول!، هل استطعنا إيقاف تحركات السفارات واحترام سيادة بلدنا!، هل استطعنا صنع إعلام حر مسؤول، وفتحنا المجال للأحرار وأصحاب الوعي أن يأخذوا مواقعهم الصحيحة!. المصيبة أن القِوَى السياسية لم تعمل على توعية الشعب، ولم تستثمر فيه، إنما تركت الشعب فريسة سهلة بيد المشاريع الغربية وأفكارهم المنحرفة. عليكم أن تعتذروا للشعب عن ذلك الخطأ الذي لا يغتفر ، والعمل على ترسيخ الوعي ، وعدم السماح للإرهاب الفكري أن يجول ويصول بحرية في بيوت الأسر العراقية ، ووضع حد لإنهاء الفوضى الإعلامية التي هتكت حرمات هذا الشعب ، ويجب وضع رِقابة الشديدة على دور المنظمات المجتمع المدني. في أي دولة محترمة يسمح للسفارات وأدواتها أن تزرع ما تريد وتفعل ما تشاء ! ، هنا أصبح من الواجب عليكم أن يشعر المواطن بالأمان والاستقرار على كافة المستويات، وأن يتخلص من الفوضى والهرج والمرج، التي يمر فيها البلاد من فوضى خلاقة كما يطلق عليها من قبل دول الشذوذ، وسياساتها الليبرالية، التي تهدف إلى مسخ المجتمع وإضعاف الدولة. إن أعظم مهمة هي بناء الإنسان، قبل بناء الحجر… أمامكم فرصة لقطع الأيادي التي تعبث في أمن القومي للمجتمع وسلامته، وإلا فأنتم شركاء في ذلك، وأن الشعب قطعًا لن يقف مكتوف الأيادي…