الخميس - 19 سبتمبر 2024

رحلة الروح نحو الإصلاح والولاء..!

منذ شهر واحد
الخميس - 19 سبتمبر 2024

د. عامر الطائي ||

تُعدُّ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء رمزًا خالدًا لروح التضحية والصبر، وقد استنارت بها قلوب المؤمنين عبر الأجيال. فهي ليست مجرد زيارة مادية للأرض المباركة، بل هي رحلة روحية تتناغم فيها الأبعاد الإيمانية، وتمتد فيها الروح إلى عالم العبودية الخالصة لله، وتُحاكي بها الأرواح ما جرى على أرض كربلاء من معاني التضحية والإباء.
الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يصف هذه الزيارة بمدى عظيم، ويدعو فيها لزوّار جدّه الحسين (عليه السلام) بدعاءٍ يحمل في طياته كلّ مشاعر الرأفة والحنان: “اللهم فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوه الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ الله وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا”.
هذه الكلمات النورانية تنير لنا الطريق لفهم معاني الزيارة. فهي ليست مجرد مشي على التراب أو تقبيل العتبات، بل هي تعبيرٌ عن حبٍّ عميق ورغبةٍ صادقة في الاقتراب من الله من خلال القرب من أحبابه وأوليائه. في تلك الرحلة، تتغير النفوس وتنصهر في بوتقة الحبّ الإلهي، لتعود أكثر نقاءً وقوةً في مواجهة تحديات الحياة.
فكيف يمكننا أن ننتفع من هذه الزيارة؟ أولاً، يجب علينا أن ندخلها بقلوبٍ صافية ونوايا صادقة، نبحث من خلالها عن إصلاح أنفسنا وتنقيتها من الشوائب. عندما نقف أمام قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، فإننا نقف أمام مرآة تعكس لنا ضعفنا وتقصيرنا، وتدفعنا نحو التوبة والعودة إلى الله بقلبٍ مخلص.
ثانيًا، علينا أن نحمل معاني هذه الزيارة في حياتنا اليومية. فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج إلّا للإصلاح في أمة جده، ومن هنا يجب أن تكون زيارتنا له دافعًا لنا للإصلاح في أنفسنا وفي مجتمعاتنا. إن دموعنا التي تنسكب على تربته الطاهرة ليست إلا بذورًا تُزرع في أرض القلوب، لتنبت فيها شجرة الصبر والتقوى.
وأخيرًا، يجب أن تكون تلك الزيارة درسًا في الولاء والإخلاص. فكما تحمل الشمس آثارها على وجوه الزائرين، كذلك يجب أن تحمل زيارتنا آثارها في أرواحنا ونفوسنا، لنصبح من أولئك الذين يغيرون الدنيا بسلوكهم وقيمهم، تمامًا كما غير الإمام الحسين (عليه السلام) مجرى التاريخ بتضحيته العظيمة.
نرجو أن يرحم الله تلك الوجوه، وتلك الخدود، وتلك العيون التي أعطت من قلبها وروحها حبًا وولاءً لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وأن يجعلنا من زوّاره الحقيقيين الذين يحملون رسالة الإصلاح والبناء أينما كانوا.