الأربعون..!
أمين السكافي (لبنان-صيدا) ||
يتصادف في هذه الفترة زيارة الأربعين للإمام الحسين الشهيد، الذي قضى في كربلاء، وذلك لـ”خروجه” على طاغية زمانه وعصره، يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان. هذه الزيارة السنوية، منذ مئات السنين، لمرقد أبي عبدالله الحسين عليه السلام، والتي يقوم بها شيعة أبيه أمير المؤمنين من كل أصقاع وأرجاء الدنيا.
والزيارة لا تقتصر على الإمام الشهيد، بل تشمل أيضًا زيارة النجف حيث مرقد الإمام علي عليه السلام، وبقية من قضوا شهداء من عائلته، كأخيه العباس وإخوته، وابنيه علي الأكبر والطفل الرضيع، وابن أخيه القاسم بن الحسن عليه السلام، وغيرهم من الأنسباء والأنصار الذين استشهدوا معه في كربلاء.
العاشر من المحرم هو يوم خُلد في التاريخ بشقيه: مظلومية الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، وسبي نساءه وهن حفيدات محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والثاني هو البعد الآخر كفكر ثوري وفلسفة عقائدية ضد الظلم، ورفض إعطاء البيعة لمن لا يستحقها. العاشر من محرم وقف على كلمة يقولها السبط الشهيد، تخيلوا هذه الكلمة كم كانت غيرت من وجه التاريخ، وأين كنا لنكون لو تلفظ بها الإمام سلام الله عليه.
الحسين ليس جسدًا طاهرًا فحسب ، هو وأهله وأنصاره ونساؤه ليست مجرد نساء سيقوا للأسر، بل الحسين فكرة ومدرسة، ولعلها أبرز ثورة على الظالم، بكل ما احتوته من شخصيات، من الطفل الرضيع إلى الشيخ المسن كحبيب بن مظاهر. لماذا ضحى الحسين بأقرب خلق الله إلى قلبه لأجل كلمة؟ هذه الكلمة لو قيلت وقتها ما كنا لنشاهد محورًا يسور فلسطين ويدافع عن غزة.
غزة شبيهة لكربلاء في كل شيء، نجد بها من قال “لا” للظالم، ومن شهر سيفه في وجه الطغاة، ومن بذل دمه رخيصًا لأجل العزة والشرف والكرامة، وردد مع السبط الشهيد: “والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد”. في نفس الوقت نجد المضحين بأبنائهم، فلذات أكبادهم، جوعًا وعطشًا وتنكيلاً، ونجد الشيخ الكبير والشاب والمرأة، كلهم في غزة على خطى الحسين، ومرددين معه: “إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني”.
وأهل بيته ونساؤه، وخاصة الحوراء زينب، التي ورغم كل الألم والأسى والوجع، ومسؤولية الاهتمام بمن بقي، تقف في مجلس ابن زياد شامخة كأمها فاطمة سيدة نساء العالمين، وأم أبيها، قائلة: “أبالقتل تهددنا يا ابن الطلقاء؟ ألا تعلم أن الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة”.
وكذلك موقفها عند طاغية عصره يزيد، بقولها: “ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد”.
غزة اليوم تستصرخ ضمائر الشرفاء، وتردد مع الحسين الشهيد: “ألا من ناصر ينصرنا”. فكان لها محور العز والكرامة، خريجي مدرسة كربلاء، وكما قال الإمام الراحل الخميني رضوان الله عليه: “إن كل ما لدينا هو من عاشوراء”. فمنذ واقعة الطف، وهذه المدرسة تخرج تباعًا كل عزيز للنفس، حافظًا لكرامته، معتدًا بعقيدته، ولو كلف الأمر ما يكلف.
فهذا الفكر العظيم الذي قال: “إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة محمد”. تلك الدماء الزكية على رمضاء كربلاء، ومواقف العز والشموخ من الحسين إلى زينب عليهم السلام، عبرت التاريخ لتصل بنا إلى أين نحن الآن في محيط غزة، التي تتجرع الموت راضية مطمئنة بقضاء الله وقدره، وتردد: “أولسنا على حق؟ إذن لا نبالي، أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا”.