بخصوص الكرامة والشعب العنيد..!
أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||
باديء ذي بدء، هذه الأغنية هي للسيدة فيروز، ومن تأليف الأخوين رحباني. غنتها بعد بدء الحرب الأهلية في لبنان عام 76، وهي بعنوان “بحبك يا لبنان”. كان لها وقع كبير وقتها، كما كل أغاني السيدة فيروز.
زياد، ابن السيدة فيروز وعاصي الرحباني، أخذ من الأغنية مقطعًا وجعله عنوانًا لمسرحية من بطولته هي “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”. هذه المسرحية لاقت رواجًا كبيرًا ككل أعمال زياد. لن ندخل هنا في طريقة تفكير زياد أو أعماله، ما يهمنا من الموضوع هو استعارة هذا العنوان.
لقد لفت هذا العنوان نظري منذ انطلاقته، وإن كان زياد يسخر بطريقته المحببة اللاذعة في مسرحيته من أوضاع البلد. فأنا هنا لا أناقش زياد أو المسرحية، بل فقط العنوان، وهل بالإمكان إسقاطه اليوم على أوضاعنا؟ أجل، عزيزي القارئ، فبرأيي المتواضع، هذا من أفضل العناوين التي تتناسب مع وضعنا منذ بداية الثمانينيات ولغاية اليوم.
لأن الشعب اللبناني بشكل عام من أكثر الشعوب عنادًا، وهذا بطريقة إيجابية، وبشكل خاص أبناء الجنوب اللبناني الذين هم من أطيب شعوب الأرض. إلا عندما تصل الأمور للكرامة، عندئذ يتحولون إلى أشخاص آخرين. وآسف لتكرار اللازمة، كيف أن الكيان استطاع قهر وإذلال دول وشعوب عربية، وحتى منظمات كمنظمة التحرير الفلسطينية التي استطاع اختراقها والوصول إلى بيروت في خمسة أيام.
لكن هذا الكيان، الذي استطاع منذ تأسيسه سنة 48 سحق كل من يفكر ولو مجرد تفكير بالتطاول عليه، وجد في بيروت خصمًا شرسًا وندًا له بلبنانيها من أحزاب وحركات يسارية وإسلامية، وطبعا صمود منظمة التحرير بكافة فصائله لمدة تزيد قليلاً عن تسعين يومًا. وكانت المرة الأولى التي يقف الكيان أمام أسوار مدينة كل هذه المدة، إلى حين عقد الاتفاق المشهور القاضي بترحيل المنظمة إلى خارج لبنان، والغدر بالاتفاق من جانب الكيان ودخول بيروت.
عندها بدأت حكاية اللبناني العنيد واستعادة كرامته، التي اعتبر أن الكيان هدرها بدخوله بيروت، خاصة ولبنان عامة. فأعلن عن انطلاق جبهة المقاومة اللبنانية (جمول)، ومعها أمل برئاسة نبيه بري، ولحقهم حزب الله مسرعًا خوفًا أن يفوته شيء من الأجر العظيم لشهدائه. فالكرامة لشعب لبنان مسألة تهون دونها الأرواح وسفك الدماء والتعذيب في المعتقلات كأنصار والخيام والداخل الفلسطيني.
بدلاً من كونه صيادًا منذ عام 48، تحول هذا الكيان إلى فريسة يتسابق عليها اللبنانيون، مما دفعه أن يرفع لافتات في بيروت موجهة للشعب اللبناني مكتوبًا عليها “لا تطلقوا النار، فنحن منسحبون”. وكانت هذه بداية العار لجيش اعتبر لعقود لا يقهر، وانسحب إلى حدود صيدا ظنًا منه أنه سيكون بمأمن، ولكن هيهات!
هذا الشعب العنيد بدأ رحلته مع استعادة كرامته، وكان لعناده الأثر الأكبر في انسحاب العدو إلى ما يسمى الشريط الحدودي. هنا كان حزب الله قد أخذ على عاتقه تحطيم هذا الجيش وعملائه، وللأمانة فقد نجح الحزب نجاحًا باهرًا، وأثبت للعالم كله صلابة وعناد شعب لبنان ومقاومته، وخاصة بعد انسحاب الكيان بطريقة فجائية إلى حدود فلسطين المحتلة، راضيًا بالهزيمة والسمعة السيئة لجنوده، المهم أن ينجوا بأنفسهم.
التقطوا أنفاسهم لست سنوات وأعادوا الكرة بكل ما أوتوا، ولكن مع من؟ مع أعند الشعوب على وجه الأرض وأكثرها اعتدادًا بكرامتها. وزلزلت صرخات “هيهات منا الذلة” في أرجاء المنطقة، ليتم تحقير كيان هش، ومن أفضل الأوصاف له وصف سماحة القائد للكيان: “إنه أوهن من بيت العنكبوت”.
لكل إنسان الحرية في أن يفسر أو يرى معنى معين لكلمات أو جمل قيلت. بالنسبة لي، هكذا قرأت عنوان مسرحية زياد، وهكذا سمعت أغنية السيدة فيروز: “لبنان الكرامة والشعب العنيد”.