سورة الرحمن: قراءة جديدة..!
الشيخ حسن النحوي ||
الله سبحانه يقول في الآية ٤٦ ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ..
ويقول في الآية رقم ٦٢ ( ومن دونهما جنتان ) ..
فهذا يعني أن هناك أربع جنان ينقسمان اثنين اثنين.
فما الفرق بينهما ؟
طبعاً هناك فرقٌ شاسعٌ بينهما.
حتى يُميّز ” الذى يخاف مقام ربه ” ..
فأعيروني قلوبكم وأسماعكم يرحمكم الله .
وسوف تشعرون بسعادة وقشعريرة تسري فى أجسادكم عندما تشعرون بما شعرت به .
هيا بنا نبدأ :
1⃣إن الجنتين الأفضل هما للمُتقي الذى يخاف ربه.
2⃣ وهما ( ذواتا أفنان ) أى تحتوي على شجر كثيف يتخلله الضوء، وهذا منظر بديع جميل يسر النفس والقلب.
⬅️والجنتان الأقل منهما ( مدهامتان ) أي تحتوي على شجر كثيف جدا ولكن لا يتخلله ضوء ،أي أن هناك ظل كامل، فالمنظر أقل جمالا.
3⃣الجنتان للمُتقي ( فيهما عينان تجريان ) وماء العيون الجارية هو أنقى ماء ولا يتعكر لأنه يجري.
⬅️والجنتان الأقل منهما ( فيهما عينان نضاختان ) أي فوارتان، يعني ماء يفور ويخرج من العين لكنه لا يجري. وطبعا قد تتصف العينان اللتان تجريان أنها أيضا نضاختان وفوارتان، لكن لا يجوز العكس، أي أن النضاختين لا تجريان.
4⃣الجنتان للمُتقي ( فيهما من كل فاكهة زوجان )، أي نوعان: رطب ويابس، لا ينقص هذا عن ذلك فى الطيب والحسن .
⬅️والجنتان الأقل منهما ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) يعنى نوع واحد ، وهو فى المتعة أقل .
5⃣الجنتان للمُتقي ( متكئين على فُرش بطائنها من أستبرق وجنى الجنتين دان )
تخيل أن هذا وصف البطائن فما بالك بالظواهر ، وقد ورد في الأثر : ظواهرها نور يتلألأ.
6⃣الشجر يدنو من ولي الله فيها وهو مضطجع يقطف منها جناها .
تخيل العظمة أن الشجر يأتى لمكانك وأنت مضطجع تختار وتقطف من ثماره.
⬅️ أما الجنتان الأقل منهما ( متكئين على رفرف خضر وعبقرى حسان ) وصف الظاهر فلا تعرف عن الباطن شيئا ، وهو أقل من وصف الباطن وترك الظاهر مبهما.
لكن ماذا عسى أن يكون الظاهر والباطنُ من استبرق ؟
7⃣الجنتان للمُتقي ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ) نساء قاصرات الطرف ( على وزن فاعلات ) بإرادتهن أي لم ينظروا إلى رجل من قبل وهو غاية العفة .
⬅️والجنتان الأقل منهما ( حورٌ مقصورات فى الخيام )
👈 ركز معي هن مقصورات وليس قاصرات ( كفرق بين فاعل بإرادته ومفعول به رغما عنه ) . تخيل الفرق ؟
8⃣والأبدع من هذا كله والشئ الذي سوف يجعلك تقشعر عندما تسمعه
إن الله سبحانه وتعالى رتب هذا بشكل عجيب حيث جعل الترتيب لما تشتهيه النفس ( هذا كله للمتقي ) فى وصفه فى الآيات . فاسمع واستشعر معي .
عندما تدخل الحديقة التى يتخلل أغصانها الضوء ( ذواتا أفنان ) وترى بعينك العينين اللتين تجريان ( فيهما عينان تجريان ) ثم ترى الفاكهة التى من أثر العينان اللتان تجريان
( فيهما من كل فاكهة زوجان ) وتقطف منها ما تشاء وتأكل ، سوف تحتاج للراحة فكان الفراش حتى تستريح بعد الطعام ( متكئين على فُرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان ) وقد أعطى لك الحرية فى الاختيار أن الطعام من الممكن أن يأتيك إلى فراشك لو اشتهيت أي شيء وأنت مضطجع في فراشك وهذا تمام الراحة .
9⃣وعندما تحدّث عن الفراش ، وصف بعده شريك الفراش الذي تميل إليه النفس وتشتهيه وهما: ( قاصرات الطرف ) .
⬅️ولو راجعت الجنتين الأقل سوف تجد ترتيبا أيضا ولكنه ترتيب أقل، وليس بنفس الروعة.
تخيل كل هذا من اجل المُتقي فقط.
بعد ان عرفنا ان الجنتان الأعلى للمتقين …
يا ترى لمن الجنتان الأقل :
ورد عن بعض الصالحين
إن صاحب الجنتين الأقل قد عمل أعمالا صالحة ، لكنه في الخلوات أحيانا قد يعصى الله جل وعلا ظنا منه أن لا أحد من الناس يراه.
فالتقوى وخوف المقام ( ولمن خاف مقام ربه ) تتضح اذا انفرد العبد مع صاحب المقام وهذا لايكون الا في الخلوات …
فلك أن تتخيل أن ذنوب الخلوات جعلت الفرق الشاسع بينهما فى الجنة.
انتبه لخلواتك.
فسيئاتك في الخلا تنسف حسناتك في الملأ.
” فإذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته ؛ قال الله عزَّ وجلَّ : هذا عبدي حقًّا ”
فمن ساءت سريرته كان بمثابة نصف عبد.
” قال العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات ، وأن عبادات الخفاء هي أصل الثبات ”
فكن من المتقين وحافظ على خلواتك .
جعلني الله واياكم من المتقين
جمعة حسينية مباركة
و نسألكم الدعاء