مواجهة النفس بعد الصدمة..!
كوثر العزاوي ||
إنّ من الأمور التي حثّ عليها الإسلام بكاء الإنسان على نفسه، ولاشك أننا سنبكي جميعًا على أنفسنا فيما لو أدركنا واقعنا، فنحن في الحقيقة في غفلة عن حالنا، لقد
خلق الله الإنسان لأجل هدف محدد، وهو يتحمل المسؤولية، وعليه أن لا يقضي حياته وعمره في غفلة عن ذلك الهدف وتلك المسؤولية.
(من المواعظ الحسنة للامام الخامنئي حفظه الله)
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام “ابكِ على نفسك ما دمت في الدنيا، وتَخوَّف العطب والمهالك، ولا تغرنّك زينة الحياة الدنيا وزهرتها”
وايضا فيما أوحي إلى عيسى عليه السلام “ابك على نفسك بكاء من قد ودّع الأهل، وقلى الدنيا، وتركها لأهلها، وصارت رغبته فيما عند إلهَهُ”
ولعل المستفاد مما تقدم، بأنّ على المؤمن عندما يكون في حالة مشوشة أو إذا انتابهُ ضيق لأيّ سبب في هذه الدنيا ومع ذلك قلب الإنسانيّ المتقلب، عليه أن يستحضر
حالهُ ويراقبها، كما يستشعر اليقين، بأن لا لجوء لغير الله الخالق للخروج من ضيقه المفاجئ، وعدم البوح إلّا له”عزوجل” فإنّ الاستشعار الحقيقي هو مما يحيي في النفوس الأمل والرجاء، ولأن التوجّه بالدعاء له روحه وأثره بالانقطاع السليم الى الله الرؤوف الذي يعلم الجهر ومايخفى، ومن هنا نفهم، بإن كل انقطاع وطمأنينة لغير الله وَهمٌ وخيال، إذ مهما سبر ذلك المخلوق غور قلبك، ومهما اقترب من خفايا سريرتك، ومهما ادّعى الحرص عليك، لايمكن بأي حال من الاحوال ان يلبّي حاجاتك المعنوية منها والمادية عند الضنك والاستغاثة فضلًا عن فهمها، لذا بنبغي على أصحاب الهمم العالية والأهداف السامية أن لايغفلوا انفسهم وحالة الإقبال نحو الله على الدوام، بل يبحثوا باجتهاد مستمر عن علاج لحالة الإدبار وعسر الحال حينما تنقطع السبل، وذلك بالتوسل والألحاح على الله الرؤوف، وبمَن هم الوسائل والابواب، كي يرزقه حالة الإقبال والنشاط مع المراقبة الشديدة، خاصة عند حصول الرقة والتوجه والشعور بالانتكاس، فقد تكون هذه اللحظات هي أفضل حالة ينظر الله “عزوجل” فيها بالرحمة والرأفة الى عباده ويسلمهم مفاتيح الأبواب المسددة، فالدعاء والإنكسار في محضر القدس الإلهي، هو ذلك الحبل الممدود بيننا وبين الله العظيم، لكي ندرك حقيقته وفضله وآثاره، ومن أدرك ذلك الكنز فقد أدرك حقيقة العبادة التي نلمس مصاديقها بالخضوع والانكسار والضعف، وهذا مما لايجب أن يحصل مع المخلوقين إطلاقا، ولعل مايصيب الانسان أحيانا من ردة فعل مؤلمة ناجمة عن ثقة في لحظة ضعف بين المخلوق ومِثلُهُ، إنما هو دليل على غفلته عن ربّه، وعليه تلافي الصدمة الحاصلة، فهي بمثابة ناقوس خطر يوجهها الله الى من يشاء من عباده ليرفعه من براثن النفس الأمارة الى ربوة اليقظة، لعله يتذكر أو يخشى، ويتنبّه فوضوية يومه وشتات روحه وتعثُّر قلبه، ويستشعر محض حاجته إلى الله الذي أودعه مَلكاته ليُصلحه كلما حلّت الفوضى بين جوانحه، بل كلما اصطدم بمتطلبات حياته من متاع الحياة الدنيا، حتى يعلم أنّ مقادير الإنسان خُطّت علی جبينه قبل مولده، وأنّ الخير کلّ الخير فيما قدّر الله للمؤمن، لأنّ المولی لا يبغي بعبده شرًّا، طالما المؤمن يری نفسه تحت ولاية الله ووصايته، فما عليه إلّا أن يقنع بما قُسِمَ، ويسلّم أمره لله الحکيم، كيفما وحيثما آلت إليه الأمور، والله المستعان.
١٨-صفر-١٤٤٦هجري
٢٣-آب-٢٠٢٤ميلادي