الجمعة - 20 سبتمبر 2024
منذ 4 أسابيع
الجمعة - 20 سبتمبر 2024

محمد شريف أبو ميسم ||


من نعم الله علينا نحن العراقيون أن منّ علينا بوافر الخيرات والموارد الطبيعية على ثرى أرض متعددة التضاريس متعددة البواطن وافرة العطايا شديدة الغنى في الجمال والتنوع. أرض تاريخها متخم بالحضارات زاخر بالخصب برغم تكالب الهجمات على عطاياها.

كلما تكالبت الأقوام عليها طمعا بوفرتها أو بحثا عن الأمن والأمان بين تضاريسها، أو كلما وطئتها أقدام الطارئين والمجرمين والطغات ، كانت كريمة حتى على من آذاها، مترعة بالخير والشهامة والطهر والكرامة ومهدا ومؤطئا للأنبياء والأولياء في ذات الوقت.

ومن دورة هذه الخصال والتناقضات ولد أجدادنا وآبائنا وهم يتداولون الحزن حتى في غنائهم مدفوعين بعشقهم لابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله الذي وجدوه مذبوحا على غفلة من التاريخ ، فحملوا الذنوب من كنف الأحداث التي ما لبثت الا وكانت محتدمة حد الوفرة التي عرفت بها بلاد الرافدين والتي انعكست في كل ما يمكن أن يتدفق من أعماقهم وأعماق هذه الأرض حبا جديرا بولادة حسينا في كل يوم.

ثم ولدنا ونحن نحلم بالمدينة الفاضلة لننبري حد التمسك بحلمنا الذي يتماهى في اللاوعي حبا شديدا وافرا حد الموت على المباديء التي ذبح من أجلها ابن بنت رسول الله.
أجيال تلي أجيال تعيش العشق الحسيني بكل خصاله التي تنزع الغرور عن الذات الانسانية المجبولة على التكبّر، فلا التفوق ولا المال ولا المكانة الاجتماعية، ولا حتى رغبة الانتصار على الذات تحولان دون البكاء على هذا المصاب الجلل، الذي هتك براءة هذه الأرض وأدان التاريخ على فعلته التي تتجسد كل عام بزحف الملايين على مدار أيام العشرة الأولى من محرم ، ثم يتوج الحزن في احياء زيارة الاربعين التي عاد فيها أهل البيت الى كربلاء يوم العشرين من شهر صفر والذي يوافق مرور 40 يوما على فاجعة الطف.

اذ تحزن بلاد ما بين النهرين، ليكون احياء ذكرى الحسين وأهل بيته وأصحابه صورة تحاول أن ترتقي لصورة زينب وعلي بن الحسين السجاد عليهم السلام وبرفقتهم الأطفال وهم يلتقون عند قبر الحسين بالصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري إذ صادف وصوله من المدينة المنورة إلى كربلاء في ذلك اليوم وهو يوم وصول ركب حرم الحسين (نسائه وأيتامه) اذ نصبوا مناحة عظيمة تحاول أن ترتقي لها الملايين من الزائرين عبر الوصول الى المرقد الشريف مشيا على الأقدام متحدين أشعة الشمس اللاهبة إحياء لهذه الذكرى الأليمة، التي أصبحت سنّة لمن يشتركون في عشق الحسين.

حين تتسائل عن هذا الاحياء يأتيك الرد ” انه احياء ذكرى زيارة مردّ الرؤوس في 20 صفر 61 هـ” أي رجوع أو عودة الرؤوس التي قطعتها سيوف جيش ابن زياد” وهي رأس الأمام الحسين عليه السلام وبعض من قتل معه من اصحابه وأهل بيته .

فالسلام على الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائه، والسلام على القائمين على خدمة الزائرين والذاهبين والقادمين لمرقده الشريف وهم يضعون ملامح العشق والبهاء لشعب عرف بالجود والكرم والكبرياء.