قادمون..!
أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||
كلمة “قادمون” علقت بذهني منذ فترة طويلة، ولا أعلم لماذا استحضرتها الآن. الحكاية بدأت منذ حوالي ثلاثين عامًا، عندما رأيت أحد المعارف يضع صورة الأقصى وقبة الصخرة على زجاج سيارته، مرفقة بعبارة “قادمون”.
حينها، انزعجت ليس من الكلمة، بل مما نعده لهذا اليوم. دار بيني وبين بعض الأصدقاء، ومنهم رجال دين، نقاش محوره أننا عندما نضع هكذا شعارات، فبالمقابل ماذا هيأنا وماذا أعددنا وكيف نتجهز لليوم الموعود؟
حقيقة، كان حزب الله يقاتل العدو في الجنوب، وبصراحة كنا سعداء ومناصرين للحزب في مقاومته، ونتتبع أخباره وأخبار عملياته بشكل يومي. فهو في ذلك الوقت كان الأمل الوحيد لدينا، وكان يكبد العدو يوميًا الخسائر في الأرواح والأعتدة والآليات. لكن موضوع “قادمون” وجزء من الجنوب لا يزال محتلاً كان أمرًا صعب التصديق وقتها، فإيلام العدو كان أقصى أمانينا.
لكن الحلم أصبح حقيقة، والعدو يهرب من الجنوب اللبناني دون ضمانات لأمنه ولا اتفاقيات. كانت تلك الأيام وكأنها ليلة القدر أعطيت لنا. لبنان، بمساحته الصغيرة وعدد سكانه الذي لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة، استطاع بجزء من شعبه إخراج العدو وتحرير الأرض، وأستطاعت المقاومة أن تنتصر على أكذوبة الذي لا يقهر.
عندها تذكرت كلمة “قادمون” وبدأت أفكر بأن من استطاع فعل هذا يستطيع أن يفعل أي شيء. فالمقاومة كانت ولا زالت هي الخيار الأمثل والأصح للتعامل مع هذا العدو الغاشم.
واليوم، وأنا أنظر إلى غزة والمحور، بت أعلم وأؤمن بأن هؤلاء الرجال أعدوا ما استطاعوا من قوة لتتحقق نبوءة “قادمون”. وإن أخذنا كل جزء من المحور على حدة، نرى غزة وقد حفرت أنفاقًا أكبر بمساحتها من غزة نفسها. وأن تعلم تصنيع الأسلحة من عبوات وقاذفات وصواريخ كان يجري على قدم وساق، وإعداد الرجال لليوم الموعود كان يتم على نحو عقائدي وجسدي، وإلا لما استطاعوا الصمود لأكثر من عشرة أشهر. ها هم يخرجون للعدو من الأنفاق ومن تحت الدمار، ومن خلال الأنقاض، يفاجئونه ويصطادون عناصره.
أما لبنان وشباب حزب الله وقيادته، فحكاية أخرى. فهنا جيش برتبة مقاومين، أضحوا يمتلكون كل ما يؤلم الكيان، وصاروا معهم على حدود فلسطين. فمن شاهد الأنفاق وضخامتها، والصواريخ بأنواعها ودقتها، والرجال المدربة على كل ما تحتاجه الحرب من مسيرات إلى هداهد إلى تطور العلم العسكري، بات يعرف أننا قادمون، ولو بعد حين.
فحزب الله ليس بالحزب الذي تستهويه الكاميرات والتصاريح، بل العمل بصمت وإعداد العدة لليوم المنشود. أما اليمن والعراق، فمسيرات وصواريخ الأول تحكي عنه، وقرصنته الإيجابية للسفن، وإغلاقه باب المندب على مصراعيه. بالنسبة للعراق، فالحشد الشعبي يقوم بما يلزم من إيلام الأميركيين وإرسال المسيرات والصواريخ إلى الكيان الغاصب المحتل.
مقابل كل شعارات الدول أو الأفراد، كان هناك من يعمل وبسرية تامة لمواجهة منتظرة، كما حصل بعد السابع من أكتوبر.
التنظير عن بعد سهل، وإلقاء الخطب أسهل، وكتابة المقالات عملية بسيطة، أما الإعداد والتدريب والتعلم لمواجهة عدو كإسرائيل، فهذا كله يأخذ وقته. فكيف بنا إذا وصلنا للتنفيذ؟ هناك الثبات قولًا وفعلاً، والصمود والتصدي والهجوم، كلها تحتاج إلى قلوب لا ترتجف، وإلى عقول باردة رغم حرارة القذائف لتفكر بطريقة صحيحة.
منذ الصغر، وكره العدو الصهيوني أمر مقدس بالنسبة لي، وفلسطين كانت ولا زالت وستبقى حتى تتحرر، البوصلة التي توجه تحركاتي. ولكن بعد بروز إيران كعدو للصهاينة وداعم لمحور المقاومة، بدأنا نتفاؤل ونهتف بأعلى أصواتنا: “قادمون”.