كن ماشيا مفلحا، ولاتكن ماشيا خاسرا..!
🖋 الشيخ محمد الربيعي ||
وعن عاصم بن حميد الحنّاط: سَأَلتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَن زِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ ؟
فَقالَ: «يا عاصِمُ! مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ وهُوَ مَغمومٌ أذهَبَ اللَّهُ غَمَّهُ، ومَن زارَهُ وهُوَ فَقيرٌ أذهَبَ فَقرَهُ، ومَن كانَت بِهِ عاهَةٌ فَدَعَا اللَّهَ أن يُذهِبَها عَنهُ أذهَبَها عَنهُ، وَاستُجيبَت دَعوَتُهُ، وفُرِّجَ هَمُّهُ وغَمُّهُ.
فَلا تَدَع أن تَأتِيَهُ، فَإِنَّكَ كُلَّما أتَيتَهُ كُتِبَ لَكَ بِكُلِّ خُطوَةٍ تَخطوها عَشرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنكَ عَشرُ سَيِّئاتٍ، وكُتِبَ لَكَ ثَوابُ شَهيدٍ في سَبيلِ اللَّهِ اهَريقَ دَمُهُ، فَإِيّاكَ أن تَفوتَكَ زِيارَتُهُ».
وعن الإمام الصادق قال: «مَن خَرَجَ مِن مَنزِلِهِ يُريدُ زِيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، إن كانَ ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حَسَنَةً، وحَطَّ بِها عَنهُ سَيِّئَةً، حَتّى إذا صارَ بِالحائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ المُفلِحينَ».
ونظراً للحشود الضخمة التي تزور الإمام الحسين في زيارة الأربعين مشياً على الأقدام يجب استثمار هذه الظاهرة المليونية في نشر المزيد من العلوم والمعارف الإسلامية بين الزوار، وزيادة مستوى الوعي والثقافة عند الناس، والتأكيد على أهمية التخلق بأخلاق الإمام الحسين ، وأئمة أهل اليت .
محل الشاهد :
إن الاهداف السياسي في أربعينية سيد الشهداء واضحة، وهو اثارة الثورة ، ضد قوى الشر والفساد والاستبداد، وقد حمل الإمام الحسين (ع) هذا العبء بكل طاقة الأبرار على مر العصور، ولم يكن غير الحسين (ع) يحمل هذا الأمر العظيم، وهو امتداد الدوحة النبوية المحمدية.
قال رسول الله (ص): “حسينٌ مني وأنا من حسين”؛ هذا الحديث المبارك الشريف لا يعطي فقط دلالة أن الإمام الحسين (ع) من نسب رسول الله وسبطه وابن ابنته فاطمة (ع)، وإنما يعطي دلالة كبيرة وجوهرية في مسألة المنهج، وقد كان هدف الرسول (ص) هو تأكيد على خط الإمام الثوري المستمر، قال تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾، وفي هذه الآية القرآنية تعبير عن الفلسفة الجوهرية للبعثة النبوية، والآية كاملة تحدد المنهج الكامل والمتكامل للرسالة المحمدية: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وهو ذات المنهج، الذي سار عليه الإمام الحسين (ع)، والمقصود هو تحرير الإنسان ببعده الحقيقي من هيمنة الطغيان ووصاية الاستبداد، مستلهمًا عبارة الإمام علي (ع): “الحياة في موتكم قاهرين والموت في حياتكم مقهورين” اي الموت مع الفضيلة خير من الحياة مع الخسة والذل.
إن الإسلام يرفض بشكل مطلق كل أشكال الاستبداد؛ لأن الإسلام والحرية وجهان لعملة واحدة، والحرية جوهر الإسلام، فالإنسان جاء للحياة من أجل الامتحان، وهو مكلف ويتحمّل المسؤولية، والمسؤولية معناها حرية الإرادة، فلا يمكن للإنسان أن يعيش تحت حكم ووصاية وولاية الاستبداد، وهو لا يستطيع أن يمارس حريته؛ لأن الوجود الحقيقي للإنسان هو الوجود الحر، والاستبداد هو سالب للحريات، وبالتالي سالب لفلسفة الوجود والتكليف والمسؤولية.
والأنبياء والأئمة الأطهار (ع) كانوا في مواجهة الطغاة، فإبراهيم واجه نمرود، وموسى واجه فرعون، وعلي (ع) واجه معاوية، والحسين (ع) كان هدفه مواجهة طغيان يزيد، الذي بدأ باستعباد الناس، والإمام علي الهادي (ع) واجه المتوكل، والإمام موسى الكاظم (ع) كان في مواجهةٍ مع هارون، وهي مواجهات حروب بين الخير والشر، وبين الحرية والاستعباد، بين الأريحية ضد الأنانية والنرجسية.
إن الإمام الحسين (ع) أسّس للنهضة، وأراد أن يخلّص الأمة من أغلال الشهوة، ويحوّلهم من إطار الشر إلى إطار الرحمة والحرية، ولهذا كانت رسالته إلهية إنسانية، وكذلك أراد أن يحارب منظومة الفساد، الذي استشرى في المجتمع ويحرره من ذلك الانهيار الأخلاقي والسلوكي المريع، لهذا لا يمكن أن نقول نحن حسينيون ما دمنا نقبل بالظلم والفساد والاستبداد، فهذا الامتداد العاشورائي هو امتداد للحرية الحسينية، وقد رفع أهل بيت رسول الله راية الحسين (ع) كدليلٍ للكفاح من أجل الحرية الحسينية وطلب الإصلاح في أمة رسول الله (ص)، ومكافحة الفاسدين.
والطغاة على مر التاريخ كانوا يخافون من كل تجمع أو مظاهرة، وقد حاربوا هذا الامتداد العاشورائي؛ لأنه يمثل كفاح الحرية ضد المستبدين لكنهم لم ينجحوا، لأنه كلما كانت القضية كبيرة في معانيها كان المجتمع متمسكًا بها بقوة، ومنهم النظام البائد، الذي منعها أكثر من ثلاثين سنة، ولكن هل انتهت؟ لم تنتهِ، لأنها قضية قائمة على مبادئ إلهية عظيمة تعبر كل الحقب التاريخية والأجيال المتعاقبة، فالطغاة زالوا لكن الإمام الحسين (ع) بقي، وهذه أعظم عبرة لا بدّ أن يقف عندها الجميع ليتعلموا أن شرور الاستبداد وسلوكياته السيئة لا تستطيع أن تسلب معاني الحرية الحسينية.
محل الشاهد:
إن أساس كل الصراعات هو الخلاف الناشئ بين مبدأ الشيطان ومبدأ الله، ومبدأ الله هو الرحمة، ومبدأ الشيطان هو السلطة والشهوة، والإمام الحسين (ع) حمل مبدأ الرحمة، ولهذا نقول الحرية لأنها مرتبطة بالرحمة، وتفعيل الحرية من أجل بناء مجتمعٍ صالح تأتي من خلال قيام المجتمع بممارسة إرادته عن طريق سلوك القيم الفاضلة، فالإنسان الذي يمارس الأمانة ويصدق في فعله وقوله هو إنسان حر، كما أنه يكون معطاءً مسؤولًا متعايشًا ومتسامحًا مع جيرانه، متضامنًا مع إخوانه في المجتمع، كما أن الذي يسلك طريق العنف والقسوة والفساد والتسقيط والكذب والتهمة والغش وخيانة الأمانة ويسرق، هو عبد للسلطة والمال والظلم والطغيان.
لقد ضحى الإمام الحسين (ع) بنفسه وأصبحت عائلته سبايا من أجل حريتنا، وأن نعيش أحرارًا في حياتنا، وهذه التضحية تحفّزنا لنكون بمواجهة الطغاة، وأن نحمي حريتنا لكي نكون أوفياء للإمام الحسين (ع)، وأن نكون في معسكره، كما فعل (الحر بن زياد) حين شعر أن عليه أن يتخذ القرار بنفسه، إما أن يكون حرًّا مع الإمام الحسين (ع)، أو أن يكون عبدًا ليزيد، فوقف وقفة شجاعة ومارس حريته في الاختيار، واختار الحق فعاش بسيرته بين الأحرار.
النتيجة :
ومن المهم والمفيد للغاية إظهار هذا الحشد الجماهيري الواسع إعلامياً بصورة مميزة وحضارية بما يعكس الصورة الناصعة لأتباع أهل البيت، وبما يبعث برسالة قوية إلى أعداء الإسلام والأمة عن تلاحم وعزة وقوة المؤمنين ووحدتهم.
ويؤكد اهتمام الوسائل الإعلامية المختلفة بهذا الحدث المهم في زيارة الأربعين على حقيقة ديمومة وثبوت انتصار القيم والمبادئ التي حملها الإمام الحسين كالعدل والكرامة والعزة والشموخ والإباء والعطاء والإيثار.
ويجب أن تكون زيارة الأربعين -وغيرها من المناسبات الهامة- فرصة لاستنهاض كل القيم والمبادئ والأهداف الحسينية، والتي من أجلها استشهد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه الأخيار، وعدم اختزال القضية الحسينية بأمور جزئية أو طقوس شكلية؛ بل يجب الحفاظ على جوهر النهضة الحسينية، وإحياء القيم الكبرى والأهداف العظيمة التي من أجلها ضحى الإمام الحسين بالنفس والنفيس .
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و اهله