التفاوض Negotiation / 1
الباحث والاكاديمي صلاح الاركوازي ||
المقدمة
إن عملية التفاوض بدأت منذ بدا الخليقة ومنذ نشأة المجتمعات الصغيرة وكان يأخذ صور مختلفة تبدأ بالحوار وتنتهي إما بالوصول إلي نتائج ترضي أطراف النزاع أو التحاور بالسيوف لتنتهي عملية التفاوض لصالح احد أطراف التفاوض واستسلام الطرف الأخر ولذلك أصبحت المفاوضات من أهم الأنشطة الفعالة لتسوية الخلافات، ففي الصراعات والخلافات الدولية حلت المفاوضات محل الحروب المعلنة بين الدول وأصبح التفاوض يحقق نتائج اقوي من تقارع السيوف وسقوط القتلى .
وفي مجال الأعمال فلقد أصبح العلم يضج بالمؤسسات الاقتصادية العملاقة الضخمة واسعة الانتشار، وكنتيجة لتضارب مصالح هذه المؤسسات وتنافسها الشاق للسيطرة على السوق انتشرت ظاهرة التفاوض بشكل واضح في مجال الأعمال والمؤسسات سواء في مجال الشراء والتعاقد أو في مجال تسوية النزاع بين أصحاب الأعمال والنقابات العمالية ولقد امتدت ظاهرة التفاوض إلى مجالات داخل نفس المؤسسة مع الإدارات الأخرى , بل أن التفاوض أصبح ظاهرة أيضا حتى في الأمور الشخصية والمنزلية وذلك نظرا لكثرة الاحتياجات في ظل قلة الموارد وارتفاع أسعار الأساسيات ، وإذا فكرت قليلا فسوف تدرك انك تتفاوض طوال الوقت في كل يوم ، فأنت تتفاوض من اجل الحصول علي وظيفة ، ولزيادة المرتب وتتفاوض مع زوجتك وأولادك حول المكان المناسب لقضاء الأجازة فمما سبق يتضح لنا أهمية التفاوض في مختلف جوانب حياتنا ونظرا لهذه الأهمية فإننا ستناول بشئ من الإيجاز مفهومه ومهاراته ومبارياته …. الخ حتى نستطيع أن نتفاوض بنجاح في مختلف جوانب حياتنا.
تعريف التفاوض Definitions تعريف التفاوض Definitions
لقد تعددت التعريفات التى ذكرت حول مفهوم التفاوض منها – الأكثر شـيوعا – علـى سـبيل المثال:
1 – أنه عملية المباحثات التى تتم بين طرفين (أو أكثر) ينظر كل منهما للآخر على أنه مـتحكم فـى مصادر إشباعات الآخر، ويهدفان منها إلى بلوغ حد الاتفاق على تغيير الأوضاع .D. Howver (1982)
2 – أنه أسلوب الاتصال العقلى بين طرفين يستخدمان ما لديهما من مهارات الاتصال اللفظى لتبـادل الحوار الإقناعى ليبلغا حد الاتفاق على تحقيق مكاسب مشتركة (Eisen & Balow, (1983.
3 – أنه عملية ديناميكية بالغة الدقة والحساسية تتم بين طرفين (فردين أو فريقين) يتعاونان على إيجاد حلول مرضية لما بينهما من مشكلات خلافية أو صـراع وتنـاقض علـى تحقيـق الاحتياجـات والاهتمامات أو المصالح والأهداف Kennedy, Benson & Mcmillian (1987.
معنى ذلك أن التفاوض عملية ديناميكية، تعتمد على مهارات فنية وسلوكية، لا يؤسـس النجـاح فيها على اتباع طرفى التفاوض لأساليب وفنون التفاوض، بل إن نجاحها مرهون بمهـارة المفـاوض فليست مكاسب طرفى التفاوض متعادلة أو متوازنة فى جميع أحوال التفاوض، إذ قـد تـأتى نتائجهـا بمكاسب أكبر نسبيا لطرف على حساب الطرف الآخر، ومرجع ذلك هو مـا يملكـه المفـاوض مـن مهارات تحقق له نجاحا أكبر من نجاح شريكه فى التفاوض.
ما هو مفهوم التفاوض
الحصول على أفضل نتيجة محتملة بين طرفين مختلفين بحيث يحصل الطرفان على أقصى حد مما يريدانه أو يتوقعان الحصول علية.
وثمة مفهوم آخر للتفاوض، فكثير من الناس يعتقدون أن التفاوض هو وسيلة للتوصل لاتفاق، وهؤلاء يكونون ميالين بطبعهم للحلول الوسط، فهم لا ينظرون للأمور من جهة وجود منتصر وخاسر ولكن من جهة وجود رضا متبادل وفوز لكلا الطرفين، وهذا هو المفهوم الصحيح للتفاوض والذي يقوم على اعتباره تعاونًا ) مفهوم التعاون ( لا مواجهة، فهو فرصة للعمل المشترك بين طرفين لتحقيق هدف لا يستطيع أحدهما إنجازه بمفرده.
أهداف عملية التفاوض :
تهدف المفاوضات الي زيادة الفهم المشترك والتعاون بين الأطراف من اجل توسيع رقعة الاتفاق حتي تغطي العنصر او القضية موضع الخلاف .ومن جهة اخري يجب أن ندرك أن كل طرف يسعي الي تعظيم منفعة ومصالحة الخاصة ولتحقيق ذلك قد يدخل في صراع مع الطرف الاخر حتي يتحول الاتفاق الي صالحة . كذلك يجب ان يؤخذ في الاعتبار انة بغض النظر عن الوقت الذي يستغرقة اي طرف من الطرفين في اظهار صورة ملائكية عن نفسة . فان ذلك لا يقلل من كمية الصراع والتوتر والقلق النفسي والذي يفصل بين التعاون الذي يعد امر اساسي لنجاح عملية التفاوض . بل انة يمثل مايمكن ان نطلق علية ديناميكية التفاوض . وهكذا يمكن القول ان التفاوض يهدف الي تضييق الخلاف بين اهداف طرفي التفاوض الي الدرجة التي يمكن القول بانها النتيجة المرضية بالنسبة للطرفين هي افضل من اتخاذ قرار من جانب كل طرف علي حدي او التصرف الفردي لاي من الطرفين او محاولة فرض حل من جانب احد الاطراف علي الطرف الاخر . مما يؤدي في النهاية الي حدوث صدام قد يؤدي الي نتائج لا تحمد عقباها لكل الطرفين . وقد تظهر الحاجة الي التفاوض عندما تكون هناك اهداف مشتركة لطرفي النزاع غير ان مصالح واهتمامات هذة الاطراف تكون متعارضة .علي سبيل المثال فان الهدف المشترك للمصرين والاسرائلين في كامب ديفيد كان تسوية النزاع سلميا ودون الاستمرار في سلسلة الصراعات المسلحة ومن ثم جاءت المفاوضات .كذلك فان الهدف المشترك لاصحاب الاعمال والنقابات العمالية هو استمرار المؤسسات في الانتاج دون ان يؤثر تعارض المصالح مع العملية الانتاجية ذاتها .
أهمية التفاوض:-
1. التواصل الجيد والتفاهم الفعال.
2. تكوين الأرضيات المشتركة.
3. تجنب تفجير الصراعات والجدل العقيم .
4. الحل الأمثل للمشكلات والنزاعات.
5. تحسين الانجازات وعقد الصفقات والتغلب على المعوقات.
اساليب التفاوض الخمسة هناك خمسة أساليب أو طرق تُستخدم في التفاوض، ولكل منها نقاط قوة وضعف، وتشمل هذه الأساليب:
اولا – التعاون: وهو حجر الأساس في التفاوض ولا ينجح أي حوار بلا تعاون الطرفين لإنجاح العملية وإنجازها على أكبر وجه، ويمتاز المفاوضون الذين يتبعون هذا الأسلوب:-
1 – بأنهم صادقون،
2 – ولديهم قدرة عالية على التواصل،
3 – كما أنهم يركزون على إيجاد حلول جديدة ومبتكرة ترضي مصالح جميع الأطراف.
ثانيا – المنافسة: حيث يتم استخدام السلطة لتحقيق النجاح والنصر في التفاوض، ويكون المفاوضون الذين يتبعون هذا الأسلوب :-
1 – حازمين وواثقين بأنفسهم،
2 – وأكثر ما يركزون عليه هو الصفقة والنتائج،
3 – كما يميلون إلى تحقيق مصالحهم، حتى وإن كان هذا على حساب الأطراف الأخرى.
ثالثا – الاستيعاب: يعتبر هذا الأسلوب عكس أسلوب المنافسة، ويسعى فيه المفاوضون:-
1 – للحفاظ على العلاقات مع الأطراف الأخرى،
2 -ويميلون للتخفيف من حدة التوترات التي تنشأ في هذه العلاقات،
3 – وتقليل الاختلاف فيها،
4 – كما يهمهم تحقيق مصلحة واحتياجات الأطراف الأخرى،
5 – وبشكلٍ عام يمتاز هذا الأسلوب بأنه أقل حزمًا وأكثر تعاونًا.
اساليب التفاوض الخمسة هناك خمسة أساليب أو طرق تُستخدم في التفاوض، ولكل منها نقاط قوة وضعف، وتشمل هذه الأساليب:
رابعا – المساومة:
1 – إذ يدخل أطراف المفاوضات عملية المفاوضة للحصول على صفقة يقبلها الأطراف كافة،
2 – وذلك من خلال تقديم التنازلات من كلا الطرفين،
3 – والبحث عن حل وسط، يعمل على إرضاء كلا الطرفين بشكلٍ نسبي،
4 – مع الحفاظ على العلاقة بينهما.
خامسا – التجنب: يكون المفاوضون في هذا الأسلوب:-
1 – أقل حزمًا وتوترًا بشأن عملية التفاوض،
2 – وذلك بسبب تفضيلهم لتجنب أي فرصة لخلق التوتر والصراع،
3 – ويكونون محايدين وموضوعيين،
4 – ولا يسعون لتحقيقٍ سريعٍ للمصالح الشخصية لأي من أطراف التفاوض،
5 – كما يمتاز هذا الأسلوب بأن مستوى التعاون فيه منخفض،
6 – ولا يركز على العلاقة أو التوصل لاتفاق.
نصائح هامة لنجاح التفاوض ولكي يكون التفاوض ناجحًا ويحقق المكاسب، ينصح باتباع النصائح التالية:
1. لا تفاوضْ إذا كان أسلوبك غير مُجدٍ وغير مناسب وأنت تعلم ذلك جيدًا، ويجب في هذه الحالة ترك مهمة التفاوض لشخص آخر من الفريق من أجل تجنب الخسارة.
2. لا تفاوضْ قبل أن تدرس جميع جوانب الموضوع الذي تدور حوله المفاوضات، وتتأكد من اطلاعك عليها جميعها. لا تفاوض إلا بلغتك الأساسية (الأم)؛ حيث لا يجب على المفاوض التكلم بلغة أخرى، فهذا ليس الوقت المناسب لمحاولة إظهار المواهب والقدرات، كما أنّ التفاوض باستخدام اللغة الأم يرفع من ثقة المفاوض بنفسه إلى حدٍ كبير
3. . أنصتْ أكثر من أن تتكلم،
4. واحرص على تجنب تقديم وعود نهائية خلال عملية التفاوض.
5. ضع صوب عينيك أنّ التفاوض الناجح هو ذلك التفاوض الذي يربح به كلا الطرفين، ولا يكون فيه أحدٌ خاسر
انواع المفاوضات :
في مجال الاعمال تقسم المؤسسات المفاوضات الي نوعين اساسين :
1. مفاوضات الشراء .
2. مفاوضات الخاصة بين اصحاب الاعمال ونقابات الاعمال .
غير ان هناك العديد من المفاوضات بالاضافة الي هذين النوعين لا يمكن حصرها ومن امثلتها الدخول في مفاوضات بشأن:
1. التخطيط وتدفق الأعمال والأنشطة مع الإدارات والجهات الأخرى.
2. حل الصراعات والنزاعات بين الإدارات وتخصيص الموارد المحدودة….. الخ.
ملاحظة مهمة جداً:-
وهي ان المفاوضات تدخل في كل مجالات الحياة من سياسة الى اقتصاد الى امن الى دفاع وحتى على مستوى العائلة ….الخ.
العناصر الأساسية لعملية التفاوض :
هناك عناصر أساسية مشتركة بين كافة إشكال التفاوض لابد من تناولها هنا لأنها تتكررعند معالجتنا لإشكال التفاوض الاخري ، هذه العناصر هي :
1 – الشخص القائم بالتفاوض ،
2 – ومحتوي التفاوض ،
3 – و الإجراءات وتشمل :-
– a التخطيط و
– bوضع جداول الأعمال
– c وإدارة الجلسات
– d والوقت
-e والسرعة .
العنصر الأول: الشخص.: صحيح أن أسلوب التفاوض للحصول علي ما نريد هو أسلوب نستعمله جميعا منذ الطفولة غير أن تفاوض المحترفين أمر مختلف فلا يصلح أي شخص للقيام بمثل هذا التفاوض فلا بد من اعدادة وتدريبه قبل اجرء عملية التفاوض. وأول خطوات هذا الإعداد هي معرفة الإنسان لنفسه و لقدراته وامكانياتة ، فالمفاوض يستخدم أداة واحدة هي شخصه بكل صفاته وميزاته وما لم يكن علي دراية تامة بقدراته وامكانياتة فسيكون كمن يقود سيارة دون ان يتقن القيادة ، ولعل أهم المهارات الشخصية اللازمة للتفاوض هي قدرتة علي التواصل والإنصات والتعبير ودقة الملاحظة والانتباه وحضور الذهن والقدرة علي الانتقاد وفهم الآخرين . ومن الزاوية النفسية فان التفاوض يعتبر نوعا من المقابلة وكذلك قدرة علي إصدار الأحكام الصائبة. ونحن ننمي مثل هذه المهارات عن طريق القيام بتدريبات جماعية نسميها العاب نتعلم فيها اشياء كثيرة عن أنفسنا وعن الآخرين ، ونتعلم أساليب جديدة في الاتصالات والتعبير وإصدار الأحكام بواسطة الاخري أعضاء المجموعة الذين يعملون كمرآة للشخص و نختبر قدراتنا المختلفة في الفهم والانتباه وحضور البديهة وتوصيل أفكارنا للآخرين . وهذه التدريبات العملية لا تشرح علي الورق وإنما تمارس ويقوم علي قيادتها مدربون متمرسون ومؤهلون لقيادة هذا النوع من التدريبات.
العنصرالثاني:محتوي المفاوضة:
نعني بها الموضوعات التي سيتناولها التفاوض مثل الاتفاق بين المطارات وفي هذه الحالة ستدور المفاوضات حول المواعيد والخدمات، وقد تكون القضية، قضية إنسانية عامة، أو قضية شخصية خاصة وتكون قضية اجتماعية، أو اقتصادية أو سياسية، أو أخلاقية فاي كان نوعها فان محتوي المفاوضة هو الذي يشكل الأهداف، فالهدف هو السبب في عقد المفاوضة وتتنوع هذه الأسباب في النقاط التالية:
1. الاستكشاف والاستطلاع بقصد معرفة أين توجد المصلحة .
2. الابتكار أي تقديم الاحتمال او تصور يخدم مصلحة الطرفين .
3. تقديم الأدلة أو توضيحها، البرهنة علي صحة الموقف.
4. الاتفاق علي المبادئ العامة أو علي التفاصيل .
5. إقرار اتفاق سبق التوصل إلية .
6. مراجعة التقدم الذي تم والخطط المقبلة.
7. تسوية الخلاف.
العنصر الثالث : الإجراءات ( التخطيط – جداول الأعمال – إدارة الجلسات – الوقت ) :
العنصر الثالث : الإجراءات ( التخطيط – جداول الأعمال – إدارة الجلسات – الوقت ) :
سبق القول ان هدفنا هو التفاوض من اجل الاتفاق وكانت الافتتاحية فرصة لعرض نوايا علي الطرف الأخر وسوف نلاحظ من مسلكهم إلي أي مدي وصلت نواياك إليهم وكيف يستجيبون لها فإذا كانت استجابتهم هي عدم التعاون ويظهر ذلك في وضع إجراءات التفاوض فسيجبرنا ذلك علي الانتقال من التفاوض من اجل تحقيق مكاسب او ميزات .
الا أنة غالبا ما تفعل النوايا الحسنة فعلها ويظهر علي الأقل رد فعل بسيط من اجل التعاون ، فالحقيقة أن كل الناس قد نشئوا علي اعتبار أن التفاوض هو نوع من الحرب ولذلك يجب علينا أن نزيد من مظاهر التعاون من ناحيتنا لدفعهم في طريق الاقتناع بالتعاون وستكون بالطبع في بداية المفاوضات وهناك فرص مقبلة لاختيار حقيقة تعاونية ، لا بد اذا من ذكر كلمة اتفاق وتعاون فى كل فرصة ممكنة ومن المعروف أن مسألة الابتداء ومن يقود العملية تكون لها أهمية كبرى في البداية وتكون اختبارات مبدئية للقوة وتدور هذه المناقشة الأولى عادة حول ثلاث قضايا :
1. من يبدأ بالكلام .
2. من يبادر بوضع جدول الأعمال .
3. كمية الوقت المخصصة لكل طرف .
فعلينا كمفاوضين محاولة اقتسام هذه النقاط بالتساوي بين الطرفين ، الحديث والإنصات بالتساوي – الحوار بالتساوي ونتبع أسلوب العرض المختصر المتبادل ونتخذ دائما موقف تدعيم وتعزيز الآخرين وإعطاء الفرصة للتعليق والتوجه دائما نحو الاتفاق.
ومن الواضح أن العنصر الثاني والثالث سالف الذكر من العناصر التي يجب تحضيرها قبل المفاوضة
يتبع ان شاء الله/2
شروط التفاوض