عبد الرزاق عبد الواحد بين قصيدتين – نقد ثقافي..!
د. حسين القاصد ||
كتب عبد الرزاق عبد الواحد قصيدته ( في رحاب الحسين) بأمر من الطاغية المقبور؛ فبعد إبادة الانتفاضة لمسنا نسق المخاتلة السلطوي باستثمار المعادل العاطفي، إذا جازت لنا التسمية، فأطلق العنان لجريدة بابل لتنتقد الدولة، ثم سمح بصدور صحف أسبوعية، ثم قام بتوجيه صفوة أدباء السلطة باستعطاف الشيعة، لا سيما أن كرسيه بقي يترنح من عام ١٩٩١ إلى سقوطه التام عام ٢٠٠٣.
فسمعنا وقرأنا عشرات القصائد التي تنشد للحسين بل شاهدنا الفرق الحزبية تطبخ للحسين!!
وقد ظهرت قصيدة رعد بندر :
الكربلاءات جرحٌ والعراق دمُ
كلاهما فوق هذي الأرض متهم!
وهذه هي المرة الأولى التي تتساوى مرتبة الحسين ومرتبة العراق طيلة العهد الدكتاتوري.
ولا شك أن الأمر فيه نسق اصطياد، فمن لا يوظف قضية الحسين لعراق صدام حسين سيقع بالفخ الجمعي، وبدأ الشعراء يكتبون مادام رعد بندر وعبد الرزاق كتبا، فالسلطة كأنها تسمح بذلك.
(في رحاب الحسين)
كتبها عبد الرزاق متأثرا بعينية الجواهري، فالبحر المتقارب نفسه ولم تختلف سوى القافية؛ فضلا عن تفوق عاطفي لعبد الرزاق لكن لايشفع له لأن الأبيات الأخيرة كانت تمثل خطاب السلطة ( سواترنا للآن لم تثلمِ).
أقول: قد تفوق عبد الرزاق عاطفيا لأسباب عدة، منها:
١. جزالة وطول نفس الجواهري.
٢. تفرغ الجواهري للحسين وحده
٣. رتبة المبادرة.. فالجواهري الأول والمؤثر، وعبد الرزاق التالي المتأثر.
٤. الأسباب الثلاثة الأولى جعلت عبد الرزاق عبد الواحد يغرف من دموع الجنوبيات وعاطفة الشيعة.
٥. لم يصمد عبد الرزاق أمام الحسين على الرغم من دخوله المذهل حين دخل بمطلع القصيدة ليستأذن الحسين كي يزوره، وهذا تناص واضح مع نص الزيارة الموجودة في الضريح المقدس.
٦. لم يستطع الصمود حتى بعد دخوله، فراح يتوسل آل الحسين.. زينب.. العباس على الرغم من عدم ذكر اسمه ( ويا سيدي يا أعز الرجال) (و يا ابن الذي سيفه ما يزال).
٧. لاذ عبد الرزاق بخطبة السيدة زينب فأثار شجناً عظيما.. ثم جعلها تضاهي السيدة مريم.
٨. لشدة خوفه من الحسين وقف عبد الرزاق وقفة طويلة عند الحر الرياحي ( سلام على الحر وعتبٌ عليه… عتب الشغوف به المغرم)
٩. انتهت القصيدة إلى الرسالة المطلوب ايصالها.. وهي خطاب سلطوي واضح.
ثم ماذا..؟
نحبه؟ نكرهه؟ عبد الرزاق عبد الواحد انتهازي جدا، لكن في ما سأقوله حقق أعظم استثمار لا انتهاز؛ فالسلطة أمرته أن يكتب للحسين فلماذا لا يتفضل على السلطة ويكتب قصيدة ثانية.. وقد كانت الثانية خالصة لوجه الحسين.. وصادقة جدا؛ بدليل أن السلطة دعمت الأولى إعلاميا وصارت توزع للبيوت، بينما تم التعتيم على الثانية حتى الآن، فالتعتيم السابق ذكرنا أسبابه وستعرفونها بعد قراءة القصيدة، أما التعتيم الثاني فبسبب عبد الرزاق نفسه، حيث وجد له حاضنة عربية تحيي ذكرى اعدام المقبور وتصفه بالشهيد ويكتب عبد الرزاق ويقبض اتعابه، لذلك صار غير مرحب به بعد السقوط وهو أمر منطقي جدا، لا سيما بعد وصيته لأبي بقر البغدادي المشينة .
القصيدة الثانية لم يسبق أي شاعر عبدَ الرزاق إليها، ولم يتبعه أي شاعر أيضا.
كل ما ذكر الحسين عليه السلام تذكر حادثة استشهاده؛ لكن عبد الرزاق عبد الواحد دخل بشكل غير مسبوق ليكتب عن ميلاد الحسين:
هتف البشير.
عبد الرزاق عبد الواحد
هتف البشير فقبّل أبنك ياعلي
بالمعنيين مقبلٍ ومقِبـــــلِ
تدري ويدري الله قبلٌ وجده
إيحاء مولده بيوم المقتـــلِ
طرفا هلالٍ قوسه عرض السما
بالشمس ذاك وذا بليلٍ أليــَلِ
طرفا هلالٍ مثل سيفٍ هائلٍ
شطر السماء وظل يصرخ يا هلي
بدمي فصلت الليل عن بلج الضحى
كي يستقيم فيا سيوفَ تعجّلــي
هتف البشير فقبّل ابنك يا علي
هنئ به الزهراء فهو ابن الولي
هو من على شفتيه رفَّ مقبلا
ثغر النبي..حنا على الوجه الخلي
وتكاد أشرف دمعةٍ من عينه
تهمي ولكن عينه لن تهمــلِ
جدُ ولكن أي جدٍ مرسلٍ
سبطُ ولكن سبط جدٍ مرســــلِ
وهو الحسين شهيد أشرف وقفةٍ
هذا الزكي الأنبل ابن الأنبل
هذا الذي أسر الزمان بموته
واقام عن أسر الزمان بمعزلِ
_ ___ __ __ _ ___ __
يامالئ الدنيا دما ومرؤةً
ومكبًّلا في زي غير مكبَّلِ
دارت عليه الدائرات ولم يكن
فرداً ولا كان الحسين بأعزلِ
كانت حشاشةُ جده في صدره
ومن اقتدار أبيه كان بجعفلِ
لكنه القدر العظيم أرادهـا
عصماء لم تُتئم ولم تتمهــــلِ
فأختارها واختاره قدراً لها
متبسلُ يسعى الى متبــــللِ
حتى إذا التقيا تهيّب موته
فهوى الحسينُ عليه مثل الأجدل
هي ميتةُ عدل الحياة بأسرها
أفلَ الزمان ونجمها لم يأفلِ
يا يوم ميلاد الحسين ولم نجد
إلاكَ ميلادا بموتٍ يختلي
فيكون هذا ذا وتصبحُ ميتةُ
كولادةٍ لكن بطعم الحنظلِ
حتى تكاد الأرض في ميلاده
تبكي وتعلن زهوهــا بالمقتلِ
هو مولد القيم العظيمةِ كلِها
ونزولها بالموت أعظم منزلِ
_____ __ ______ ______
قل للنجومِ بكربلاء ترجّلي
وإلى منائره المهيبات انزلي
وخذي سـناً منها لألفٍ قادمٍ
وخذي دموعاً للمجرةِ واهطلي
ألفاً وقولي للعصور جميعها
هيهات أنتِ بمثلهِ لن تحــبلي
من أين تجتمع النبوةُ مرةً اخرى
بميقات الزمان المنـــــزلِ
_____ ___ _______ _____
يوم الحسين وإذ أنادي يومهُ
ميلاده ورحيلهُ يثبان لــــي
جنحي دمٍ ودمٍ تحلق فيهما
نفسُ إلى فلك النبوةِ تعتلي
لله درك من وليدٍ باسلٍ
لله درك من شهـيدٍ أبسلِ
ولد الحسين فيا عيون تكحلي
منه ويا كلّ الحناجر هلهلي
ثم اجعلي الأجفان غيم مدامعٍ
وتذكري عطش الحسين فبللي
ولد الذي لو جاذبته ضياءه
شمس السماء لقيل للشمس اخجلي
ومن المرؤةُ بيدرٌ في بيته
ولكل أهل الأرض حــبةُ خردلِ
ولد الذي دمه اعزُ دمٍ جرى
لولا أبوه تبارك اسمك يا علي
أنجبته للمكرماتِ جميعها
وسقيته منهنّ نفس المنهل
ورآك فزت بها ففاز بها فتىً
بوركت من أسدٍ هزبرٍ مجبلِ
———————
يا يوم ميلاد الحسين وهبت لي
شرف الدخول اليه أجمل مدخلِ
أن التقيه ولو ليومٍ واحدٍ
فجراً بهياً لا دماء مجندلِ
أفكلما ذكِرَ الحسين تقطعت
أحشاؤنا وجعاً وصحنا يا علـــي
وكأن اوجاع العراق جميعها
إرث الحسين فثاكلُ عن أثكلِ
يا سيدي نفسي فداك اجز فمي
وبغير هذا الدمع انطق مقولي
أنا راجفُ جزعاً فثبت لحظةً
قلمي على ورقي وثبت انملي
واملئ دمي فرحا ووجداني
نداً ودع الفرات بمائه المتوسلِ
يسعى اليك مكفراً عن ذنبهِ
الفُ ونيفُ وهو اوجعُ مهمـلِ
وهو الفرات لو استطاع اوانها
لأتاك مفجوعاً بماءٍ معولــي
وهوى على قدميك يسقي ملؤهُ
من جسمك البدمائهِ متسربلِ
ليكون عند الله شاهد نفسه
ويجيب لا متلعثما ان يسألِ
____ _______ _______ ____
هتف البشير فيا قوافقُ رتلي
بالنبض ما هتف البشير وبسملي
وبكل ارضٍ يامرؤةُ زغردي
فإذا وصلتِ لكربلاء فأعولي