الاثنين - 16 سبتمبر 2024
منذ 3 أسابيع
الاثنين - 16 سبتمبر 2024

أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||


كنت كالعادة أتصفح بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية، كحالنا جميعًا منذ السابع من أكتوبر. مررت على موقع الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية، وأنا أتصفحه بدأ مرور صور وأسماء الشهداء من حزب الله، وطبعًا أعمارهم وبلداتهم.

ازددت فضولاً وصرت أقلب بالموقع، لا أبحث عن شيء محدد، فقط صور الشهداء. بالنسبة لنا، هم شهداء عظماء قضوا على درب البطولة، ليتحولوا إلى شهداء على طريق القدس.

تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 50 سنة، وأما بلداتهم فتقريبًا لم يبقَ بلدة في الجنوب اللبناني لم تدفع حصتها من الدماء، وأيضًا بضع بلدات بقاعية (محيط الهرمل وبعلبك).
هؤلاء الشهداء كانت لديهم حياة مثلنا نعيشها. فهناك المتزوج ولديه أولاد وزوجة، بالطبع لديه أحلام لهم من دراسة وزواج وأحفاد، وزوجة يحبها وتحبه ويسكن إليها، وطبعًا قد يكون له هوايات اعتاد أن يمارسها.

هناك الأعزب الذي ينتظر والديه وإخوته ليفرحوا به ويروا أولاده، لديه أم تنتظره وهي تراقب الطريق التي يأتي منها عادة بعد أداء واجبه الجهادي، ووالد يبصر نفسه به ويتمنى كما أغلبنا أن يأتيه يومًا بحفيد يحمل اسمه وتقر به عينه.

هؤلاء الشهداء لهم عائلات وأصدقاء كبروا معهم، فأصبحوا كأخوة لهم يحتفظون بأسرار بعضهم البعض، ويسهرون معهم شتاءً حول الصوبيا وصيفًا إما على ضفاف نهر أو نبعة ماء. هذا والد بدأ يشيد بيتًا فوق بيته لابنه، وهنا أم تجهز طعامًا تعلم مسبقًا أن ابنها يستطيبه، وهكذا إلى آخر الحكاية.

القصد عزيزي القارئ أن هؤلاء الشهداء لهم حياة مثلنا كالتي نعيشها بكل تفاصيلها، فهناك المحامي والطبيب والمهندس والأستاذ ومن كل أطياف المجتمع. لكن تفترق طرقاتنا عند هذا الحد، فنحن نكمل حياتنا اليومية ونتابع ما يجري ونترحم على الشهداء حبًا بهم واحترامًا لتضحياتهم. أما طريقهم فهي مختلفة، طريق ملؤها التعب والجهد والدرس ليصبح الإنسان عقائديًا، وبعدها يتوجه نحو حمل البندقية أو أي مكان آخر يستطيع من خلاله خدمة المسيرة التي أنضم إليها بكل جوارحه، من عقله إلى روحه إلى الدماء التي تجري في شرايينه إلى حبات العرق المتساقطة من جبينه صيفًا وإلى البلل الذي يصيبه مرابطًا في أيام الشتاء.

هؤلاء الأشخاص تركوا كل شيء خلفهم من أهل وجيران وأصدقاء ومشاريع وأحلام وأي شيء من متاع هذه الدنيا، لينضموا إلى هذه المسيرة المباركة، وهم يعلمون أنهم مشاريع شهادة، ومع ذلك لم يترددوا طرفة عين، وحالهم كحال علي الأكبر في مقالته لأبيه في عاشوراء: “أولسنا على حق إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا”.

أجمل ما في الحياة أن تهب الحياة لأجل الحياة. هؤلاء وهبوا فلسطين ووهبونا دماءهم الزكية الطاهرة. هؤلاء باعوا كل شيء واشتروا الآخرة ورضوان الله. هم سُفكت منهم الدماء لنعيش نحن بعزة وكرامة، ولم نعد نخشى عدوًا تربينا منذ وعينا على كرهه، بسبب ما كان يتحفنا به من قصف وضرب لا يفرق بين صغير وكبير وامرأة أو رجل، كان همه الوحيد هو القتل.

هؤلاء من أعطونا الأمن والأمان، وضحوا لأجل رضى الرحمن ومن أجل فلسطين ومن أجلنا. {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. هؤلاء الشهداء من أعطونا حياة نعيشها دون خوف أو مذلة من عدو، بل نحياها بكل كبرياء وشموخ.

شهداء حزب الله سعوا وراء الموت وسكراته، واجهوا العدو وقذائفه بكل شجاعة الدنيا، حتى طائراته لم تفت من عضدهم. يُقال أن عدد الشهداء على جبهة معركة الجنوب بلغ الستمائة شهيد أو يزيد. ننحني أمامهم بكل محبة واحترام وإجلال، هم ومن سبقهم، لكي نصل إلى ما نحن عليه اليوم من عز وسؤدد. فالمجد كل المجد لهم، ودعاؤنا لهم بالنصر الدائم على كل ظالم.