الأعداء المجانيون..!
ناجي الغزي ||
/ كاتب سياسي
هم أولئك الذين يتطوعون لمعاداة شخص ما دون أي مبرر واضح، ويتخذون مواقف معادية مسبقة دون أي احتكاك أو تجربة سابقة معهم. يمكن أن يكون هذا السلوك نتيجة لمشاعر الكراهية العميقة التي قد لا يكون لها أساس منطقي، لكنها تتجذر في النفس لأسباب مختلفة، قد تكون غير واعية أو نابعة من أحكام مسبقة. وتنشأ الكراهية عندما يتم تحريض المشاعر السلبية تجاه فرد أو مجموعة معينة، ويظهر الأشخاص الذين يعانون من هذه الكراهية مشاعر العداوة وقلة التعاطف.
ويفسر علم النفس البشري، الكراهية: على أنها رغبة داخلية في إلحاق الأذى أو الشر بالآخرين، وغالباً ما يترافق هذا الشعور بالرغبة في تحقيق تلك النوايا عبر أفعال ملموسة. هذه الكراهية تستهلك الشخص من الداخل، وتغذيها مشاعر سلبية أخرى مثل الغيرة والحسد والاحتقار. عندما يشغل الإنسان قلبه بهذه المشاعر، فإنه يدخل في دوامة لا تنتهي من السلبية، مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية والعاطفية.
وتأثير هذه المشاعر لا يقتصر على الفرد فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع ككل. الفرد الذي يغذي نفسه بالكراهية يساهم في نشر هذه الطاقة السلبية في محيطه، مما يؤدي إلى خلق بيئة غير صحية تتسم بالتوتر والصراع. في المجتمعات التي تتفشى فيها الكراهية، يصبح التعاون والتعاطف بين الأفراد نادراً، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وتراجع القيم الإنسانية.
هذا السلوك يعكس نوعاً متطرفاً من الكراهية والتآمر، حيث يسعى الشخص الكاره إلى تدمير سمعة الشخص الذي يكرهه بشكل ممنهج. عندما يتحدث الشخص الكاره بالسوء عن ضحيته أمام العديد من الناس، ويسعى لنشر الإشاعات، فإنه يستهدف تدمير صورة الضحية وتفكيك علاقاته الاجتماعية. هناك شخصيات سلبية مريضة تستخدم الإشاعات المغرضة والتشويه المقصود الذي يؤدي إلى استثارة مشاعر الكراهية بين الأفراد، حيث يشجع الناس على تبني وجهة نظر سلبية تجاه الشخص المستهدف دون التحقق من الحقائق.
وسلوك الكراهية ليس محصوراً في الطبقات الاجتماعية الأدنى أو في الأفراد غير المتعلمين فقط. بل يمكن أن نجدها أيضاً في الطبقات العليا والأوساط المثقفة والمتعلمة. في كثير من الأحيان يتجلى ذلك في شكل مواقف مسبقة أو تحاملات قد تكون مبنية على افتراضات غير صحيحة أو على مشاعر غير مبررة.
الأفراد المتعلمون أو المنتمون إلى الطبقات العليا قد يكون لديهم أيضاً أحكام مسبقة أو تعصبات تتعارض مع قيم التسامح والاحترام التي يفترض أن تعززها الثقافة والتعليم. الكراهية في هذه السياقات قد تتخذ أشكالاً أكثر تنكراً أو خفية، مثل التمييز، العنصرية، أو حتى استخدام الكلمات والأفكار لتبرير المواقف المعادية.
يبدو أن التعليم والثقافة لا يضمنان بالضرورة تطور القيم الإنسانية الأساسية، بل قد يكون هناك فجوة بين المعرفة الأكاديمية وفهم القيم الأخلاقية والإنسانية. في بعض الحالات، قد تعزز الثقافة والتعليم الوعي بالمشاكل الاجتماعية ولكنها لا تحلها بالكامل إذا لم يكن هناك عمل حقيقي على تحسين الذات والتعامل مع مشاعر الكراهية بطرق بناءة.
يبدو ان هؤلاء الذين يتعمدون إيذاء الآخرين بالكراهية وتشويه سمعتهم ونشر الإشاعات عنهم يظهرون سلوكاً يتنافى تماماً مع القيم الدينية والأخلاقية. هؤلاء يبدو أنهم لا يخافون الله ولا يؤمنون باليوم الآخر، لأنهم يتصرفون وكأنهم لا يخشون الحساب ولا يعتبرون عواقب أفعالهم على الأرض وفي الآخرة.
والشخص الذي يفتقر إلى هذا الإيمان قد لا يشعر بالمسؤولية تجاه أفعاله، ويكون أكثر عرضة للانخراط في السلوكيات التي تضر بالآخرين دون اعتبار للعواقب الأخروية. في الواقع، الخوف من الله واليوم الآخر هو الذي يمنع المؤمن من ارتكاب مثل هذه الأفعال، ويجعله يفكر مرتين قبل أن يتلفظ بكلمة أو يقوم بعمل يمكن أن يؤذي الآخرين.