الخميس - 19 سبتمبر 2024
منذ 3 أسابيع
الخميس - 19 سبتمبر 2024

عبود مزهر الكرخي ||

تفسير وتحليل البكاء على الحسين(عليه السلام) ‏
كان البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)من أهم مظاهر العزاء على الحسين الشهيد(روحي له الفداء)، وقد حثت الروايات ‏على ذلك وبدون أي شك، والذي يعتبر من اولويات الشعائر الدينية، وكانت هذه الشعيرة في البكاء على الحسين(عليه ‏السلام)محل تفسيرات وتحليلات عدة في تناول حكمة هذه الشعيرة وهي البكاء على الحسين، ولهذا سنتناول هه الشعيرة في ‏مقالنا الآراء والتحليلات المقدمة في تحليل فلسفة البكاء على شهيد كربلاء، ونحاول ان نقدم الرواية المناسبة إلى شعيرة ‏البكاء على الحسين وانسجامها مع روايات والتي اسلفناها من قبل، في إطار علل الحثّ على البكاء ومحاولة فهم حكمته.‏

‏ سبب التأكيد على البكاء
اعتبر مرتضى المطهري وهو من علماء الشيعة أنّ سبب كثرة التأكيد من قِبل أئمة أهل البيت(عليهم السلام)على البكاء من ‏أجل الإمام الحسين(عليه السلام)هو أنهم أرادوا من خلال ذلك أن يبقى القيام الحسيني مدرسة الحرية ومجابهة الظلم. وبحسب ‏قوله أدّت هذه النصائح منهم في زمانهم(عليهم السلام)إلى ظهور تيّار حيوي وثوري، بحيث أصبح اسم الإمام الحسين(عليه ‏السلام)شعار الثورة ضد الظلم‌(1).‏
كما ذهب البعض إلى أنّ البكاء على الإمام الحسين(ع) وأصحابه يُعدّ تجديدًا لبيعة عاشوراء وثقافة الشهادة واستمداد الطاقة ‏الفكرية والروحية من هذه المدارس(2). وبحسب رأي الإمام الخميني إنَّ العزاء الحسيني والبكاء عليه يؤدي إلى حفظ الإسلام ‏ولولا سيد الشهداء لما تقدمت الثورة الإسلامية في إيران نحو الأمام (3). ‏
ومن هنا أكد أئمة الشيعة أيضاً على الإبكاء والتباكي على الإمام الحسين(ع) وأشاروا من خلال بعض الأحاديث إلى ما فيهما ‏من الأجر والثواب كما روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا(عليه السلام)أنه قال: (من تذكّر مصابنا وبكى لما جرى علينا ‏كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ) (4).وأيضاً رُوي عن الإمام ‏الباقر(عليه السلام)والإمام الصادق (ع) ك (أنه من بكى أو أبكى غيره ولو واحداً ضمنّا له على الله تعالى الجنّة ومن لم يتأتَّ ‏له البكاء فتباكى فله الجنة ) (5)، وبحسب الشيخ عباس القمي وهو من علماء القرن الرابع عشر الهجري إنّ التباكي ليس ‏رياءً؛ لأنّ البكاء على الإمام الحسين(ع) يعدّ عبادةً ولا يجوز الرياء في العبادة (6).‏

ولهذا فأن البكاء ليس مظهر من مظاهر الضعف والخنوع كما يدعي البعض من قصيري بل هو تجديد إلى نهضة والمحافظة ‏على ديمومتها وبقائها، ولهذا كانت هناك روايات الواردة في إقامة مجالس العزاء والبكاء على مصاب الإمام الحسين عليه ‏السلام لم ترد في أيّ من الأئمّة المعصومين عليهم السلام حتى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكأنّ هنالك سرّاً في هذه ‏المسألة دعا إلى تلك التأكيدات من الأئمة عليهم السلام. وقد تحدثت الروايات عن عِظم ثواب هذه المجالس مما جعل بعضاً ‏يراها نوعاً من المبالغة، فأنكرها ونسبها إلى ((الغلاة))، حتّى قالوا: ((لا بدّ أن يكون هناك تناسب بين العمل والجزاء، فكيف ‏يكون لهذا العمل البسيط ـ كالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام ـ مثل هذا الثواب العظيم ؟!))‏

وبالمقابل يرى آخرون: أنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ولو بقدر جناح ذبابة كافٍ في نجاة الفرد، وإن غرق في بحر ‏الذنوب والمعاصي. فهذا الرأي يرى أنّ قطرة دمع تُذرف على الإمام الحسين عليه السلام كافية لأن تغسل كُلّ ذنب‎!‎

إن ّهذه الآراء ـ في تقديرنا ـ لم تنطلق من رؤية واضحة وتحليل صحيح جامع للروايات الواردة في عظم ثواب العزاء، والواقع ‏أنّهم عجزوا عن إدراك فلسفة العزاء من خلال قراءة الروايات قراءة علميّة دقيقة. لذا سنقدّم فيما يلي عرضاً لبعض الرؤى ‏في بيان فلسفة البكاء.‏

‏1ـ نيل الثواب وشفاعة أهل البيت عليهم السلام
وهذا التحليل فيه من الضعف والوهن ولكن ننقله لعرض الآراء المختلفة حول شعيرة البكاء، حيث أن إقامة مجالس العزاء ‏والبكاء هو لنيل شفاعة الأئمة الأطهار(عليهم السلام). وهذا التحليل فيه ضعف واضح حيث أن العمل في ضوء هذا التحليل ‏فإن المسلمين يُقيمون مجالس العزاء من أجل الحصول على الثواب ونيل شفاعة الأئمّة الأطهار عليهم السلام. وضعف هذا ‏التحليل واضح؛ ففرض الثواب على عمل ما فرع وجود حكمة ومصلحة في نفس ذلك العمل، فالعمل لا يستبطننّ أيّ ثواب ما لم ‏تكن فيه مصلحة وحكمة معقولة. والذي ننشده في هذا البحث فلسفة إقامة العزاء، أي: مصلحة العمل وحكمته. طبعاً الكلام ‏عن الثواب في إطار معلولات الحكم، لا محلّ له في هذا المجال‎.‎

أضفْ إلى ذلك: هل يمكن إثارة عواطف ملايين الأفراد وإبكائهم طيلة التاريخ لغرض تحصيل الثواب؟! ثم هل يسع هذا الوعد ـ ‏على الرغم من أهميته ـ إثارة العواطف ما لم يكن هنالك عشق وقلب مُفعم بالحُبِّ والحماس؟! (7).‏

‏2ـ شُكر الإمام الحسين عليه السلام
يستند هذا التحليل على إن الإمام الحسين(عليه السلام) قد ضحى بنفسه واهل بيته وهذه التضحية هو غفران لهذه الأمة، ‏ولهذا كان أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)يمثل كفارة معاصي الأمة، وهو يقابل ونظير لما يقوله المسيحيين بأن صلب ‏المسيح هو يمثل تطهير لذنوبهم، ويستندون في تحليلهم إلى بعض العبارات التي قيلت عن الحسين(عليه السلام) وهي : يا باب ‏نجاة الأُمّة ليخلصوا إلى أنّ الحسين عليه السلام بنيله الشهادة كان سبباً في غفران ذنوب فسقة الأُمّة، وبالتالي فهو سبب ‏لنجاتهم. وبالمقابل فإن الأُمّة بإقامتها مجالس العزاء إنّما تشكر الإمام عليه السلام وتستحقّ بذلك النجاة.‏

وبالتالي هو يقال بعبارة أوضح : أن قتل الحسين وصحبه(عليهم السلام)ليكون احرار لعمل المعاصي والذنوب، وبالتالي أن ‏التكليف الديني ساقط عنهم.‏
ولهذا برز معتقد ومفهوم يتبناه العديد من عامة الشيعة وحتى من يدعون أنهم من الخواص، بأن النجاة والخلاص كل من يبكي ‏على الإمام الحسين(عليه السلام)مهما كانت ذنوب الشخص، وهذا المفهوم قد ترسخ في عقول وأوساط الحكام والسلاطين ‏الطغاة الظالمين، الذين أرسوا دعائم حكوماتهم على أساس الظلم والجور وتلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، فأخذوا يُقيمون ‏مجالس العزاء، أو ينخرطون في هيئات العزاء يلطمون صدورهم؛ ليعتبروا ذلك من سُبل النجاة‎!‎

وهذا المفهوم هو مفهوم لا يستطيع كل عاقل ولبيب أن ينكره لأن شفاعة ابي عبد الله الحسين(عليه السلام) ولكنها وفق ‏شروطها وشرائطها أي تتماشي مع الدين الإسلامي الحنيف واصوله المسلمة، لأن ما ثار وما قام به من نهضة الإمام هو كان ‏من أجل تصحيح الانحراف الحاصل في الدين وما قاموا به من لعناء بنو أمية في عودة الأمة إلى الجاهلية الأولى واللعب ‏بالدين المحمدي، وأن يكون كما وصفه شيخ اللعناء أبو سفيان بقوله ” يا بني أُميّة، تلقَّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو ‏سفيان، ما من عذاب، ولا حساب، ولا جنّة، ولا نار، ولا بعث، ولا قيامة!» (8).‏
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :‏
‏1 ـ مطهري، مجموعة آثار، دار نشر صدرا، ج25، ص338‏‎.‎
‏2 ـ ‏‎ ‎محدثی، فرهنگ عاشورا، 1417هـ، ص382‏‎.‎
‏3 ـ الخميني، صحيفة الإمام‏، 1429هـ‏، ج8، ص388.‏
‏4 ـ الشيخ الصدوق، الأمالي، 1376هـ، ص73‏‎.‎
‏5 ـ ‏‎ ‎ابن‌ نما، مثير الأحزان، 1406هـ، ص14‏‎.‎
‏6 ـ القمي، منتهی الآمال، 1379ش، ج2، ص1060.‏
‏7 ـ للوقوف على المزيد راجع كتاب حماسه حسيني بالفارسية، الملحمة الحسينية للشهيد الشيخ المطهري رحمه الله: ج1، الفصل الثاني ‏عوامل التحريف.‏
‏8 ـ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج9، ص53. الغدير – الشيخ الأميني – ج ٨ – الصفحة ٢٧٨. منشورات مكتبة الشيعة.‏