الأحد - 15 سبتمبر 2024

كسر الصورة النمطية للمرأة في العالم ـ فاطمة بنت أسد أنموذجا..!

منذ 3 أسابيع
الأحد - 15 سبتمبر 2024

د. أمل الأسدي ||

بدءا نقف لتعريف الصورة النمطية: فهي تصنيف فئة معينة من الناس وتوصيفهم بصفات ثابتة لاتتغير غالبا، وهي عملية قولبة تعتمد صفة العمومية،والقراءات الناقصة والأحكام المسبقة تجاه أفراد هذه الفئة من الناس، وقد يستمر هذا التنميط في المجتمعات ويتحول إلی سلوك أو ثقافة أو صفة لصيقة بالفئة الموصوفة، تتناقلها الأجيال وتتعامل معها علی أنها حقيقة مُسلّمة وبديهية ثابتة، وهنا سنتحدث عن الصورة النمطية لزوجة الأب، أو الأم وتفضيلها لأولادها علی الجميع وانحيازها التام لهم، تلك الصورة الراسخة في الوعي الجمعي لدی أغلب شعوب العالم، فزوجة الأب هي تلك المرأة التي ترغب بتملك الزوج ملكيةً فردية خاصة، وهي تلك السيدة الشريرة التي تحركها غيرتها وأنانيتها؛ لذا تجد أغلب الشعوب تتكئ علی موروث مليء بالقصص والحكايات والأمثال الشعبية التي تعكس هذه الصورة النمطية لزوجة الأب أو الأم، وقد تجد الكثير من الروايات في الكتب التأريخية وغيرها من الكتب المقدسة التي تنص علی غيرة سارة(زوج النبي إبراهيم) وسوء خلقها حين رزق الله هاجر وإبراهيم(ع) بالنبي إسماعيل(ع) فأشعلتها الغيرة ولم تعد قادرةً علی رؤية (هاجر) أو ابنها وطلبت من النبي إبعادهما عنها، وعلی هذا الأساس نقلهما النبي إبراهيم الی مكة بحسب هذه الروايات (١) وقد ذكر الله تعالی لنا إسكان النبي إبراهيم لهما في مكة فقال:((رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ))(٢)

وهكذا أسهمت هذه الروايات التي نتحفظ عليها في تشكيل الصورة النمطية للمرأة(زوجة الأب)، فالقرآن الكريم بيّن لنا مكانة السيدة سارة، وعكس صورتها الحقيقية التي أهّلتها للبشارة والتكريم المعجز حين رزقها مولودها وهي امرأة عجوز:” قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ۞ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ))(٣) ومع هذا التكريم بقيت الرواية فاعلة وبقي تأثيرها في تشكيل الصورة النمطية حول زوجة الأب، وقد نجد مثل هذه الصورة عن الأم وتفضيلها لأولادها عن غيرهم، وتقديمها لهم علی الجميع، فحتی السيدة أم موسی لم تنج من صراع الأمومة والإيمان وتطبيق أوامر الله تعالی، ففرغ قلبها وكادت أن تفضح السر لولا تدخل اليد الإلهية التي ربطت علی قلبها، كما في قوله تعالی:((وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))(٤)
فلا يتقدم أحدٌ في المكانة علی الأولاد بالنسبة لأمهاتهم!!

أما السيدة فاطمة بنت أسد، زوج أبي طالب(عليهما السلام) التي ربت الرسول الأعظم واعتنت به، فقد كانت السيدة الأولی التي كسرت قاعدة التنميط أو الصورة النمطية للأم، وتلتها السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية، زوج أمير المؤمنين علي(ع) فهي ثانية اثنتين من السيدات اللاتي كسرن قاعدة التنميط أو الصورة النمطية حول المرأة(الأم) والمرأة(زوجة الأب).

إن السيدة فاطمة بنت أسد كانت تفضل رسول الله الأعظم علی أولادها، فالطعام الجيد لمحمد(صلی الله عليه وآله) والملبس الجديد له،والرعاية الجسدية والنفسية له أيضا، وليس هذا وحسب؛ بل ربت أولادها علی هذا الأمر، فكانوا الحماة له، والمدافعين عنه، في صغرهم وفي شبابهم وقدرتهم وقوتهم،وهذا ليس نابعا من إنسانيتها ونبلها وحسب! إنما نابع من إيمانها بالرسول ورسالته قبل بزوغ نورها، فهي من الجماعة المؤسسة الممهدة للإسلام، ولعبت دورا تأسيسا في ذلك، كما كان لعبد المطلب وأبي طالب دور في المرحلة التأسيسية، والتي ستنضم إليها السيدة خديجة(ع) فيما بعد، وبناء ً علی هذه الرعاية كان رسول الله الأعظم(صلی الله عليه وآله) يعدّها أمه فلمَّا مَاتت كَفَّنَهَا رَسُولُ الله في قَمِيصِهِ وَصَلَّى عليها، وَكَبَّر عليها سَبعِينَ تَكْبِيرةً، ونزلَ في قَبْرها فجعَل يَومِي فِي نَوَاحِي القبرِ، كَأَنَّهُ يوسِّعهُ وَيُسَوِّي عَليهَا وَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهَا وَعَينَاهُ تَذرِفان، فقيل له : يَا رَسُول الله، رَأَيْتُكَ فَعَلتَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ شَيْئًا لَم تَفْعَلْهُ عَلَى أَحدٍ، فَقالَ: ” هَذِه الْمَرْأَة كَانَتْ أُمِّي، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَصنعُ الصَّنِيعَ، وَتَكُونُ لَهُ الْمأدُبَةُ، وَكَان يَجمَعُنَا عَلَى طَعَامِهِ، فَكَانَت هَذِهِ المَرأَةُ تُفَضِّلُ مِنْهُ كُلِّهِ نَصِيبًا فَأَعُودُ فِيهِ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنِي عَن رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا مِنْ أَهلِ الْجَنَّةِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهَا” (٥).

وهكذا كسرت السيدة فاطمة بنت أسد الصورة النمطية عن الأم التي تفضّل أبناءها عن سائر الخلق، فكانت أنموذجا رائدا في الإيثار والطاعة والقدرة علی إدارة الموقف و التمكن من تحقيق التوازن التربوي داخل البيت وفي محيط الأسرة، لهذا استحقت هذه المكانة عند الله تعالی ورسوله(صلی الله عليه وآله).
ــــــــــــــــــــــــــــ