هل من نهاية للحرب؟!
أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||
للأسف، عزيزي القارئ، لا يبدو في الأفق أي مبادرة جدية لوقف هذا العدوان من الكيان الإسرائيلي على غزة، حيث يستمر في ارتكابه للمجازر والإبادة بحق أهل القطاع. إن الحديث عن مفاوضات تجري هو مجرد وهم يهدف إلى تقطيع الوقت ومحاولة لتهدئة الرأي العام العالمي. الواضح أن هذه المفاوضات هي فقط لأجل المفاوضات، وليس لها أي هدف حقيقي.
استعراض الأحداث
لنستعرض الأحداث لنرى كيف وصلنا إلى هذه النتيجة. البداية كانت مع “طوفان الأقصى”، الذي تسبب بمقتل حوالي ألفي إسرائيلي وأسر ما يقارب من مائتي شخص بين مدني وعسكري. هذا الهجوم ضرب الكيان في مقتل من ناحية الفشل الاستخباراتي، وأدى إلى القضاء على الجزء الأكبر من الفرقة المكلفة بإحاطة غزة. كما استولت حركة حماس على وثائق بالغة السرية.
ترافق هذا الهجوم بالدخول إلى أغلب المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراض محتلة، وكان هجوماً موفقاً لأبعد الحدود. أظن أن المخطط له لم يتوقع هذه النتيجة وهذه الغلة من الأسرى الصهاينة الذين عادوا بهم. المهم أن الهجوم كان موفقاً برا وبحراً وجواً، وقد سبب أكبر إهانة لإسرائيل عامة وللجيش الذي لا يقهر ومؤسساته الأمنية. لقد استطاع هذا الهجوم زلزلة الكيان بهذا الشكل منذ عام 1948.
السياق التاريخي
لإنصاف التاريخ، فإن “طوفان الأقصى” جاء بعد سنوات من الظلم والقتل والأسر والاغتيالات والتنكيل. كانت غزة في سجن كبير، والسجان لا يترك فرصة تمر إلا واستغلها لسفك دماء الغزاويين. لم يكن التضييق مقتصراً على غزة فقط، بل امتد إلى الضفة وباقي مناطق التواجد الفلسطيني، حيث وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال إلى ما يناهز الإحدى عشرة ألفاً.
يجب أن نضيف إلى ذلك التطاول على المسجد الأقصى بكافة الطرق الممكنة، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، وله قدسية خاصة عند جميع المسلمين. اللعب بمصيره بأي طريقة كانت قد يوقظ الكثير من المسلمين النائمين على هدهدة الكيان.
أهداف العدوان
بدأ العدوان الهمجي البربري على غزة باستخدام كل أنواع الأسلحة الأمريكية الفتاكة، مع تحديد هدفين معلومين للجميع وهدف ثالث مستتر لا يعرفه إلا القلة في مركز القرار.
الهدف الأول
الهدف المعلن الأول هو القضاء على المقاومة في غزة من جميع الفصائل، بدءاً من حماس إلى الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وكتائب الأقصى. حاول العدو جهده قصف المقاومة من الجو، وقصف مدفعي ورمي من البوارج، لكن طوال إحدى عشرة شهراً لم يتمكن من سحق أو القضاء على المقاومة. بل على العكس، المقاومة هي التي نكلت به وأذاقته الويلات، حتى أضحت مناطق غزة مناطق موت لجنود وضباط الكيان. وقع العدو في مأزق، حيث أصبح بقاؤه في غزة استنزافاً له، والخروج من غزة خسارة كبرى.
الهدف الثاني
الهدف الثاني المعلن هو استعادة الأسرى لدى المقاومة. ومع أن عدد الأسرى الذي انتهى إلى مائة وعشرين أسيراً بعد عمليات التبادل التي حصلت سابقاً، فإن أجهزة الاستخبارات مثل الموساد والشاباك والشين بيت وأمان وقفت عاجزة عن الحصول على معلومات عن عدد كبير من الأسرى، الذين يوجد منهم مئة وعشرون في بقعة صغيرة من الأرض.
الهدف الثالث
أما الهدف الثالث الغير معلن، فهو تأديب الغزاويين ومن خلفهم، وإعادة فكرة الردع وصورة إسرائيل القوية في نفس من يهمه الأمر. لذلك كانت الأوامر واضحة باستهداف المدنيين بمجازر وإبادات جماعية، وتدمير وحصار. كانت بطولاته الوحيدة هي قتل المدنيين من نساء وأطفال وعجائز، إما قصفاً أو جوعاً. حاول العدو أن يفت في عضد المجاهدين بهذه الوسائل، إلا أن الحاضنة الشعبية للمقاومة كانت دائماً داعمة لها ولا تهتم بالخسائر، المهم أن تستمر المقاومة.
تغير الرأي العام العالمي
تغير الرأي العام العالمي ودخوله من خلال غزة إلى قضية فلسطين. كيف احتلت فلسطين، وكيف أن لصوصاً أهدوها لصوصاً آخرين، وكم ارتكب من مجازر من قبل الكيان داخل وخارج فلسطين المحتلة بالفلسطينيين والعرب المحيطين بها. كل ذلك أدى إلى تشويه صورة الكيان في العالم، التي عمل عليها لأكثر من ثمانين عاماً.
الجبهات المساندة
دخلت جبهات أخرى مساندة لغزة على خط المعارك، من اليمن والعراق وإيران، حتى وصلنا إلى الجنوب اللبناني الذي بدأ دعمه منذ 8 أكتوبر. كانت هذه الجبهة من أشد الجبهات إيلاماً للعدو وأكثرها إلحاقاً بالضرر به طوال الإحدى عشرة شهراً. دكت مواقعه العسكرية والتجسسية وكبدته خسائر في أرواح جنوده وضباطه، وفي آلياته، بالإضافة إلى تهجير أغلب سكان الشمال الفلسطيني المحتل.
ورغم كل التهديدات والترغيب بإعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتي رفضها الحزب، لم يأبه الحزب أيضاً بالتهديد بشن حرب على لبنان. استمر في معركته اليومية المفتوحة مع العدو، وشرطه الوحيد لوقف الحرب هو أن تتوقف أولاً في غزة.
الخلاصة
في المحصلة، عزيزي القارئ، بعد ما استعرضنا أغلب الأحداث، نرى أن المقاومة في الداخل والخارج مستمرة حتى يتوقف العدوان. توقف العدوان متأخر، بإنتظار معجزة تنهي المقاومة وتعيد الأسرى وتوقف بقية الجبهات. لذلك، ما نراه كما أسلفنا هو أن التفاوض هو فقط للتفاوض وليس لإيجاد حلول.