مقدمة في منظومة الفقه الثانوي..!
د. علي المؤمن ||
الفقه الثانوي؛ بات أو يكاد أن يكون منظومة فقهية متكاملة إلى جانب الفقه الأوّلي والأساسي، ولم يعد مجرد عناوين ثانوية. وبكلمة أخرى؛ فإن الفقه الثانوي هو الفقه البديل المقيد، وفقه الاستثناءات والتنزّل، الذي يغطي مساحة أساسية من التكاليف الشرعية، وهو يطال أحياناً الثوابت والتوقيفات، وخاصة في الموضوعات الجماعية التي يستوعبها الفقه السياسي والفقه الاقتصادي والفقه الثقافي وغيرها من موضوعات المجتمع والدولة، وكثير من المعاملات، وهذا لا يعني عدم تمدد هذه الموضوعات إلى فقه الأفراد، وبشكل ملحوظ. وستزداد أحكام الفقه الثانوي بمرور الزمن، بفعل ضغوطات التطور العلمي والتكنولوجي وقيود القانون الدولي والقوانين الدستورية والمحلية.
ويستند الفقه الثانوي أو الفقه البديل إلى مجموعة القواعد الشرعية، العقيدية والفقهية والأصولية التي تعالج العسر والحرج والتعارض والتزاحم والمصلحة والتحول في الموضوعات وغيرها، وهي، وإن كانت قواعد وأصول وأمارات موروثة، إلّا أن تطبيقاتها أخذت بالتوسع باطراد وسرعة خلال العقود الأربعة الأخيرة. وربما سيكون من الضروري تحديث هذه القواعد أيضاً، بما يتناسب وحجم الموضوعات الحادثة المعقدة والصعبة.
ووجود هذه المنظومة البديلة التي يتنزل فيها الفقه إلى عناوين ثانوية أكثر يسراً وإمكانية على التطبيق، يدل على مرونة الشريعة الاسلامية وقدرتها الذاتية على تلبية حاجات الفرد والمجتمع والدولة، ورفع الحرج عنها عند مواجهة عقبات موضوعية تحول دون تطبيق الحكم الشرعي الأولي أو الأساسي. إلّا أنً هذه الحركية والمرونة في الشريعة، لا تعني تكييف الحكم الشرعي على هوى المكلف ورغبته واستحسانه، سواء تمثل المكلف في فرد أو مجتمع أو دولة، لأن الشريعة نفسها وضعت ضوابط حازمة في تشخيص العسر والحرج والمصلحة والتحول في الموضوع، ثم استنباط الحكم البديل أو الثانوي، وهو الحكم الذي ينبغي أن يكون لصيقاً بكليات منظومة الشريعة، وليس حكماً منفرداً ومنعزلاً عن شموليتها ومقاصدها.
وهذه المهمة الحساسة والمركبة، تقع حصراً على عاتق الفقهاء العدول الأكفاء العالمين بالموضوعات الحادثة، أي أن الفقه الثانوي هو هبة الشارع للمكلّف، للحيلولة دون إبقائه حائراً أمام تكليفه، وليس لإلغاء النص والثابت وفتح أبواب الاجتهاد مقابل النص والاستحسان والرأي.
@highlight
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة “كتابات علي المؤمن” الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64