السبت - 14 سبتمبر 2024

الجامعات العراقية بين العزلة والإنتاج: دعوة إلى إعادة صياغة العلاقة مع المجتمع

منذ أسبوعين
السبت - 14 سبتمبر 2024

د. عامر الطائي ||

 

السيد وزير التعليم العالي مع التحية..!

تواجه الجامعات العراقية اليوم تحديات كبرى تفرض عليها ضرورة مراجعة مساراتها وتوجهاتها، لتجنب العزلة عن واقع المجتمع وتحدياته. إذ إن الابتعاد عن المشاريع التطبيقية والبحوث الهادفة لحل مشاكل المؤسسات والمجتمع يشكل هدراً للجهود العلمية والموارد البشرية التي من المفترض أن تكون محركاً أساسياً في دعم التنمية الشاملة.

واقع الجامعات العراقية: أزمة التوجه والارتباط بالمجتمع
تُظهر الجامعات العراقية صورة مؤسساتٍ أكاديمية تغرق في بحار البحوث النظرية دون أن تجد لها سبيلاً إلى التطبيق الواقعي. يُجري الباحثون دراسات بعضها رصينة، ويُعدون أطروحات ورسائل علمية، غير أنها تبقى أسيرة رفوف المكتبات، بعيدة عن التطبيق العملي الذي يمكن أن يسهم في حل مشكلات المجتمع أو تحسين أداء المؤسسات. هذه القطيعة بين الجامعة والمجتمع تجعل الجامعة مؤسسة مستهلكة، تنفق الكثير ولا تعيد الفائدة للمجتمع بالشكل المرجو.

التحدي الأكبر: ضياع الجهود والموارد البشرية
حين تنفصل الجامعات عن بيئتها الحقيقية، تتحول إلى جزر منعزلة، تنفق الموارد البشرية والمالية في مشاريع لا تمس قضايا المجتمع العراقي المعاصر، فلا تسهم في معالجة التحديات الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية، بل تبقى حبيسة أروقة الأكاديميات والندوات النظرية. هذا الضياع للجهود البشرية والموارد، دون أن ينعكس على الأرض، يشكل هدراً كبيراً لإمكانات كان يمكن استثمارها في دفع عجلة التنمية والابتكار.

الحل: إعادة توجيه البوصلة نحو المجتمع
لكي تتجاوز الجامعات العراقية هذا التحدي، يجب أن تتبنى استراتيجية تهدف إلى إعادة توجيه مشاريعها البحثية نحو خدمة المجتمع. ينبغي على الأكاديميين والباحثين العمل بشكل مشترك مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لتحديد المشاكل الواقعية وتقديم حلول تطبيقية لها. هذا التعاون يتطلب بناء شراكات فعالة تضمن نقل نتائج البحوث من الورق إلى أرض الواقع، وتجعل من الجامعة شريكاً فاعلاً في التنمية بدلاً من أن تكون مجرد مستهلكة للموارد.
يجب أن يكون لكل مشروع بحثي هدف واضح يخدم المجتمع، ويجب إشراك الجهات المعنية منذ بداية الفكرة البحثية لضمان تطابقها مع احتياجات المجتمع وتحدياته. وبذلك، تُعيد الجامعة صياغة هويتها لتكون قاطرة التغيير والتطوير، بدلاً من أن تكون مؤسسة تستهلك الجهود دون عائد ملموس.

التأهيل المهني والمجتمعي: خطوة نحو التغيير الجذري
إعادة تأهيل الباحثين وتوجيههم نحو مسارات خدمة المجتمع يتطلب أيضاً مراجعة للمناهج الأكاديمية وأساليب التعليم. يجب على الجامعات تبني برامج تدريبية وتطويرية تتضمن مهارات البحث التطبيقي والعمل الميداني، لتأهيل جيل جديد من الباحثين قادر على فهم واقع العراق المعاصر ومشكلاته. كذلك، يجب أن تُنشئ الجامعات وحدات متخصصة في حل المشكلات المجتمعية تكون على تواصل دائم مع المؤسسات الحكومية والخاصة، مما يضمن تفعيل دور الجامعة في الحياة العامة.

دعوة إلى التكامل
إن الجامعات العراقية، إن أرادت أن تكون فاعلة ومنتجة، يجب أن تنفض عن نفسها غبار العزلة وتلتحم بواقع المجتمع العراقي بتحدياته وآماله. فالعلاقة بين الجامعة والمجتمع ليست ترفاً أكاديمياً، بل هي حاجة ملحة وواجب شرعي وانساني. يجب أن يكون شعار الجامعات: “من المجتمع ولأجله”، وأن تعود الجامعات منارة للإنتاج العلمي والتنموي، وليس مجرد مكانٍ يُستنزف فيه الجهد والوقت دون عائد.