أين مصر؟!
أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||
مصر تُعتبر من أكبر دول المنطقة من حيث تعداد السكان وموقعها الاستراتيجي، ولديها جيش يُعتبر من بين الأفضل في المنطقة. لطالما شكلت مصر الرافعة العربية في أزمنة متعددة، وكان لها الدور الأساسي في تحديد سياسات المنطقة.
تاريخ مصر الحديث
لن نعود بالحكاية إلى زمن بعيد، فما يهمنا هو السؤال المطروح: أين مصر ولماذا هذا الاستفسار؟ دعونا نبدأ من ثورة الضباط الأحرار عام 1952 على نظام التوريث الملكي، الذي كان متوارثاً لعدة قرون حتى انتهى مع آخر ملوك مصر، الملك فاروق، الذي أطيح به في ثورة من ضباط الجيش المصري وغادر إلى منفاه. استلم قادة الثورة بلداً بحاجة إلى كل شيء، وكان ينقصه الكثير من الأمور المهمة.
التحديات التي واجهتها الثورة
واجهت الثورة مشاكل عدة، بدءاً من الاحتلال البريطاني وسيطرة الإقطاع على مقدرات البلد، وتملك الشركة الفرنسية لقناة السويس، وحجم مياه النيل المهدور، ووجود جار مغتصب لأرض فلسطين.
جمال عبد الناصر
حقيقة المؤسس لهذه الثورة والذي خطط لكل شيء هو جمال عبد الناصر، ولكن لأسباب سياسية، فضلوا أن يضعوا في الواجهة رجل ذو رتبة عالية، وهو اللواء محمد نجيب، الذي عُرف وقتها بأنه من يترأس الثورة. لكن هذه الفكرة لم تستطع أن تكمل مسارها، أولاً لأن نجيب صار يتخذ قرارات بمعزل عن مجلس الثورة، وثانياً بسبب طغيان كاريزما عبد الناصر على المشهد الشعبوي وتعلق الناس به.
فكان أن أزيح اللواء نجيب عن المشهد، وجاء مكانه الرئيس عبد الناصر الذي شرع منذ ترأسه البلاد إلى إصدار قرارات مثل تأميم الأراضي وإعادة توزيعها على الفلاحين بطريقة عادلة، وأيضاً تأميم قناة السويس، مما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر.
المشاريع الاقتصادية
بعد ذلك، بدأ عبد الناصر بتشييد السد العالي كي لا تذهب مياه النيل هدراً، بالإضافة إلى إقامة عدة مصانع لدعم الاقتصاد وإيجاد فرص عمل للمواطن المصري. هذه القضايا كانت في كفة، والعداء لإسرائيل في كفة أخرى. بالنسبة لعبد الناصر، كانت إسرائيل هي العدو الأخطر على الأمة.
تأثير عبد الناصر
استطاع بجاذبيته وأفكاره أن يعيد للمواطن المصري أولاً وللمواطن العربي ثانياً الشعور بالعزة والكرامة. كان يترأس مصر ولكنه حكم العرب، ولم يبقَ بيت من المحيط إلى الخليج إلا ورفع صورة عبد الناصر، طبعاً باستثناء بعض الدول.
التحديات الداخلية
في الداخل، كان له ثلاثة أعداء رئيسيين: أولهم جماعة الإخوان المسلمين التي يرأسها حسن البنا ومنظرها الفكري سيد قطب، الذين حاولوا اغتياله. ثانيهم، وضع مصر بعد خروجها من تحت نير الفساد والمحسوبيات والإقطاع وضعف تجهيز الجيش. ثالثهم، وهو الأخطر، مجموعة من الضباط الأحرار في مجلس قيادة الثورة الذين تصرفوا بشكل يسيء للثورة ولم يكونوا على قدر الثقة في المناصب التي شغلوها.
حرب 1967
كان لهذه العوامل أثر كبير على حرب 1967 التي قامت بها إسرائيل على الدول العربية الثلاث: مصر والأردن وسوريا. وكان للمشير عامر، صديق الرئيس عبد الناصر المقرب، الدور الكبير فيما وصلت إليه الأمور. بعد الهزيمة، قدم ناصر استقالته، التي رفضتها أغلب الشعوب العربية، فعاد مرغماً بمحبة الناس له وبدأ مع الكيان حرب الاستنزاف.
وفاة عبد الناصر
كان يعد مع سوريا الخطط بسرية تامة لاستعادة ما أُخذ بالقوة، لكن مشيئة الله سبقت، فقد توفي عن عمر يناهز 52 عاماً. حُكي كثيراً أنه سمم، وأُتهمت جهات معينة بذلك، لكن ليس هناك شيء مؤكد. الذي قتل عبد الناصر هو غباء بعض من كانوا في مراكز القرار، مما تسبب في النكسة ومشاكل العرب التي لا تنتهي.
إرث عبد الناصر
أخيراً، الراحل الكبير كان ظاهرة استثنائية لم يستطع أحد من الحصول على شعبية كشعبيته، إلا سماحة السيد نصر الله، وخصوصاً بعد انتصاره على الكيان قبل أن يبدأ مشروع تفتيت المنطقة ومذهبتها.