الاثنين - 09 سبتمبر 2024

النصر والثأر: الولاء الحقيقي بين الإيمان والعمل السياسي

منذ أسبوع واحد
الاثنين - 09 سبتمبر 2024

د. عامر الطائي ||

الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) ليس مجرد شعور أو انتماء قلبي، بل هو التزام عملي يجسد نفسه في ميادين الحياة كافة، بما فيها السياسية والاجتماعية. هذه القضية تتطلب من المؤمن أن يكون مستعداً للنصر والثأر، وهما عنصران أساسيان في الولاء الحقيقي الذي تتحدث عنه النصوص القرآنية والزيارات المأثورة مثل زيارة عاشوراء.

النصر: تحقُّق الولاء في ميادين الحياة
الولاء لأهل البيت لا يكون صادقاً ما لم يتحول إلى نصر على الباطل والظلم، وهو ما تجسده الآية الكريمة: “وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” (الأنفال: 72). فالآية تضع شرط النصرة كجزء لا يتجزأ من الولاء. هذا النصر ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو انتصار للقيم، للحق، وللمبادئ الإسلامية التي جاءت لتحرير الإنسان من الظلم والطغيان.
في ظل هذا الفهم، يصبح الولاء أكثر من مجرد تعبير عن الحب والولاء القلبي، بل يتطلب من المؤمنين أن يكونوا مستعدين للعمل والتضحية في سبيل نصرة دين الله. السياسة، إذًا، لا تنفصل عن الدين؛ فهي ميدان آخر لتحقيق الولاء، حيث تُترجم المبادئ إلى أفعال تؤثر في المجتمع وتسهم في نشر العدل والقيم الإلهية.

الثأر: استعادة الحق والدفاع عن المقدسات
الثأر في الفكر الإسلامي، كما يُستنبط من زيارة عاشوراء، ليس مجرد رغبة في الانتقام الشخصي، بل هو استعادة للحق الذي أُهدر والدفاع عن المقدسات التي انتُهكت. في كربلاء، سالت دماء أهل البيت ظلماً وعدواناً، والولاء الحقيقي يستلزم العمل لإحقاق الحق والثأر لهذه الدماء الطاهرة.
الثأر هنا هو رمز لمواجهة الطغيان والظلم في كل زمان ومكان، وهو تذكير بأن الولاء لا يكون حقيقياً ما لم يتجسد في سلوك عملي يسعى لتحقيق العدالة. حين ندعو في زيارة عاشوراء: “أسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمد”، فإننا لا ندعو فقط لتحقيق عدالة تاريخية، بل نطالب بأن يكون لنا دور في نصرة الحق في زماننا الحاضر.

السياسة بين الولاء والثأر: رؤية إسلامية معاصرة
السياسة في الفكر الإسلامي ليست منفصلة عن الأخلاق والدين، بل هي جزء من ممارسة الولاء لله ولرسوله ولأهل البيت (عليهم السلام). عندما ينطلق المؤمن في ميدان السياسة، فإنه يحمل معه مبادئ النصر والثأر، ليس بمعناها الضيق المتعلق بالقتال فقط، بل بمعناها الواسع الذي يشمل نصرة المظلوم، مواجهة الفساد، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.
في هذا السياق، تصبح السياسة وسيلة من وسائل تحقيق الولاء لأهل البيت؛ فهي الميدان الذي يمكن من خلاله أن ننصر المستضعفين ونطالب بالثأر للحق المهدور. هذا الفهم يفرض على المؤمنين أن يكونوا فاعلين في مجتمعاتهم، يسعون للخير، ويناضلون ضد الظلم بكل أشكاله.

الولاء بين النظرية والتطبيق
النصر والثأر ليسا مجرد شعارات ترفع أو مفاهيم نظرية تُدرس، بل هما جوهر الولاء الذي يجب أن يتحول إلى فعل ملموس في حياة المؤمن. الولاء الحق يتطلب منا أن نكون فاعلين، نصرةً للحق وثأرًا للدماء التي أريقت ظلماً، وأن يكون ولاؤنا ميدانياً في كل مجال يخدم رسالة الإسلام وقيمه العظيمة.
إن هذا الفهم العميق للولاء يحفز المؤمنين على استلهام روح عاشوراء والعمل على تحقيق العدالة بكل الوسائل المتاحة، سواءً في ميدان السياسة أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة. فالنصر والثأر ليسا مجرد تاريخ، بل هما رسالة حية تستمر ما دام هناك ظلم يحتاج إلى مواجهة وحق يجب أن يستعاد.