الاثنين - 09 سبتمبر 2024

واعية الحسين”ع” لم تنقطع..!

منذ أسبوع واحد
الاثنين - 09 سبتمبر 2024

كوثر العزاوي ||

من النداءات المعروفة التي أطلقها الإمام الحسين”عليه السلام” في كربلاء يوم الطف {أما من ناصر ينصرنا..} وقد جاء هذا النداء على نحو إلقاء الحجة على ذلك الجيش الذي تم تحشيده لقتاله”عليه السلام” ولسفك دماءه الطاهرة ودماء أنصاره من أهل بيته وأصحابه المخلصين الذين ثبتوا على نصرتهم في يوم الطفّ الأليمة، ولعل سؤال يرد،! ترى هل انحسر نداء المعصوم في ذلك اليوم وحسب؟! بالطبع لا، لأنّ واعية الإمام الحسين لم تنقطع يوم عاشوراء ، لانها واعية رسالية قد أصّل لها المعصوم لتمتد مع امتداد الأهداف الحسينية الالهية السامية

الى يوم الظهور المقدس لولدهم القائم الغائب المدخر لأخذ الثأر، فهي إذن خالدة، وكما نرى العالَم الأسلاميّ ومنذ إحدى وستين هجرية يواجه هذه الواعية في كل مكان وزمان ومن كل حدب وصوب، لأنها واعية الإسلام التي كانت وبقيت باكورة المعرفة والحب والنصرة للمعصومين”عليهم السلام” ونهجهم الأصلاحي الذي تهون عنده الأرواح وكل نفيس، مثلما أرخص أبي الأحرار نفسه وماله وَوُلده،

واستشهد في سبيل الإسلام ورفع راية الحق وأرسى قواعدها محكمة قبال الأخطار التي تعيشها الأمة الإسلامية عِبر قرون خلت وإلى يومنا هذا، فما من عصر يخلو من جبهةٍ ترفع راية الحرب والدمار ضد جبهة الحق المتمثل بخط الحسين “عليه السلام” حيث التآمر والتخطيط لنشر الانحراف والفساد والظلم حتى وصل الذروة في عصرنا الحاضر، لنرى مانرى اليوم من مخاطر وأزمات اخلاقية ومخططات مدمرة تستهدف المنظومة القيمية للنظام الإسلامي، لذا فإنّ واعية الحسين اليوم أوسع وأكبر من أن يحدّها زمان أو مكان، إذ لابد لكل مسلم ومسلمة عرف الحسين حقّ المعرفة أن يساهم بقدر إمكانه وظروفه الفكرية والعملية والإجتماعية للردّ على واعية الحسين “عليه السلام” وحفظ أهدافها ومقاصدها وأبعادها، ولنجد الرد حاضرًا عند كل مؤمن موالٍ يعرف حكمة المعصوم وعمق بصيرته التي تخترق الأزمان لتواكب جميع الأجيال حتى قيام القائم “عجل الله فرجه الشريف”،

فلو تأمّلنا النداء يومئذ كم حمل من الجراح والهموم والأحزان والعناء والتضحية حتى وصلتنا واعية المعصوم الواعية!، ولو وضعناها تحت مجهر العقل والوجدان لاكتشفنا حقيقة ما أراده الإمام الحسين”عليه السلام” من شيعته عبر التاريخ لعلِموا بأنهم المعنيّيون بذلك النداء، وهو بمثابة الحجة أيضا لتأخذ أثرها وبُعدها الولائي على مرّ الدهور والأعوام، كي يستشعر الشيعة هذه الواعية وهم يواجهون كلّ هذه الأخطار التي تحدق بالرسالة والأسلام،

ومايكتنف الاُمّة والمجتمع الاسلامي من الضياع في القيم والأخلاق والمبادئ والمُثل، وكلّ مايجري في مجتمعنا من التميّع والانحرافات وانتشار الرذيلة، علاوة على ماوصل إليه المتجرئين على الله، المتمردين على تعاليمه، والمتعدّين حدوده، والجاحدين فضله، لأجل هذا وغيره، كأنّ واعية الحسين تدعونا لبذل المهج والأنفس من أجل ذات الهدف السامي الذي دعى إليه الحسين حينما أعلن شعاره: {والله إني ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله..} فكان “الأصلاح” هو المحور الذي من أجله استشهد أبي الأحرار وسُبيت عياله، وإلّا ما معنى أن نبكي حرقة على مصابه ونحن لانعرف علة بكاءنا وتعلّقنا وإحياء ذكرى مصابه”عليهالسلام”!

ومن هنا ينبغي الفهم، بأنّ هدف المعصوم وحجّته الملقاة آنذاك سارية المفعول لكل زمان بما فيه زماننا هذا، ونداؤهُ ماضٍ لكل الأجيال والمجتمعات، ولم يكن مجرد نداء لا أثر له، إنما هو مشروع ومنهج أسّس له المعصوم بأمر من الله “عزوجل” بدليل قوله “عليه السلام” “شاءَ الله أن يَراني قتيلا، وشاءَ الله أن يَراهنَّ سبايا”، وعلى أتباع آل محمد أن ينصروا مشروع إمامهم، ويرتبطوا ارتباطًا وثيقًا بمشروعه الذي لم تنقطع وشائجه، وإنّ للثأر مُطالبٌ، ولدم الحسين “عليه السلام”حرقة لاتطفأ حرارته،

ولم تنقطع واعيته التي كانت تلك المقدمة التي بدأها الحسين ويكْملها المهديّ، فمنهم من قضى نحبه مع الحسين في طفّ كربلاء ومنهم من ينتظر المهديّ في طف الزمان..فمَن كانَ باذلًا في إمام زمانه مهجتهُ، مُوطِّنًا على لقاءِ الله نفسهُ، فليُهذّب نفسه ويعّدها للإنضواء تحت راية القائم الموعود”عجل الله فرجه” فَإِنّهُ آتٍ لامحال عاجلًا أو آجلًا بأمر الله “عزوجل” ولا يتحقق ذلك إلّا وفقَ ميزان الإخلاص الذي شهد به الإمام الحسين يوم غربلَ جبهته وضمِنَ ثبات أنصاره يوم عاشوراء ثم عزمَ وتوكل وهو يشير قائلا:{ أما بعد: فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولاخيرًا من أصحابي،

ولا أهل بيت أبرُّ ولا أوصلَ من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا} وبذلك كله انتصر الدم على السيف وخَلُدت مبادئ النهضة الحسينية ليأتي دور المكمّل لها بقيادة إمام زماننا وفق معايير النصرة والولاء، وعلينا أن نتحسس بركات وجود هذا القائد الأقدس، ونعطي لحضوره المساحة

الواسعة لا الضيقة التي تمثل غيابه وحسب، فالغيبة حاصلة ولها استحقاقها، أما حضور الإمام الغائب حسين زماننا هو قضية محسوسة محسومة، وأنّ الإسلام هو دين المستقبل في العالم وهو الدين الوحيد الذي يرضی عنه الله،

بقيادة المهديّ المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، والشاهد هو قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور٥٥.

٢٦-صفر-١٤٤٦هجري
٣١-آب- ٢٠٢٤ميلادي