الخميس - 19 سبتمبر 2024

قراءة تحليلية لقرار مجلس الوزراء رقم (24600) لسنة 2024 وتأثيره على الاقتصاد والشركات العامة

منذ 3 أسابيع
الخميس - 19 سبتمبر 2024

ناجي الغزي ||

/ كاتب وباحث سيلسي واقتصادي
في 13 أغسطس 2024، أصدر مجلس الوزراء العراقي قراره المرقم (24600) بتعديل حصة الخزينة من أرباح الشركات العامة، بحيث تم رفع النسبة من 45% إلى 75%. القرار جاء في إطار ما وصفته الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية لدعم خزينة الدولة، ولكن سرعان ما أثار هذا القرار جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والاقتصادية، بسبب تأثيره المحتمل على الشركات العامة وخاصة النفطية، وكذلك على حقوق العاملين فيها.

الخلفية والتفاصيل الأساسية للقرار
الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي سارعت إلى إصدار بيان توضيحي للتعامل مع بعض التعليقات والانتقادات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدت فيه أن القرار لا يتضمن تحويل شركات التمويل الذاتي إلى تمويل مركزي، وأن الشركات العامة ما زالت محكومة بقانون الشركات العامة (رقم 22 لسنة 1997)، مما يعني أن أي تغيير جوهري يستدعي تشريعاً من مجلس النواب. كما شددت الأمانة على أن رفع حصة الخزينة لن يؤثر على نفقات الشركات أو رواتب العاملين فيها، بل يتعامل فقط مع الأرباح القابلة للتوزيع بين الشركات الرابحة.

مواقف الخبراء والانتقادات
من جهة أخرى، قدم الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي نقداً لاذعاً للقرار، مشيراً إلى أن الشركات النفطية تعتمد على نظام التمويل الذاتي، الذي يمكنها من الاحتفاظ بجزء من مواردها لتمويل عملياتها ونفقاتها، بما في ذلك رواتب الموظفين. بحسب المرسومي، فإن القرار يعزز احتمالية تحويل هذه الشركات إلى نظام التمويل المركزي من خلال نقل حصة مبيعاتها إلى وزارة المالية، مما يحرمها من مواردها اللازمة لتمويل أنشطتها التشغيلية. ويرى أن زيادة حصة الخزينة بهذه النسبة الكبيرة ستؤثر بشكل سلبي على رأس المال المتاح للشركات، وقدرتها على التوسع والتطوير، والخدمات الاجتماعية التي تقدمها، وكذلك على الأرباح المخصصة للعاملين.

ردود أفعال البرلمان وأعضاء مجلس النواب
القرار قوبل أيضاً بمعارضة شديدة من قبل بعض أعضاء البرلمان، مثل النائب ثناء فرج الربيعي، عضو لجنة النفط والغاز النيابية، التي اعتبرت أن القرار يمثل مساساً بحقوق الموظفين في القطاع النفطي ويخالف القوانين المنظمة، مثل قانوني الشركات والإدارة المالية. أعلنت الربيعي عن نية اللجنة النيابية عقد اجتماع لمناقشة القرار واتخاذ الإجراءات المناسبة للدفاع عن حقوق الموظفين.

من جهته، أشار النائب علاء الحيدري إلى أن القرار يتضمن بعض الفقرات القانونية وفق المادة (11/ خامسًا) من قانون الشركات العامة، لكنه يحتوي أيضاً على فقرات غير قانونية، خصوصاً تلك التي تلزم وزارة النفط بتحويل إيرادات المبيعات مباشرة إلى وزارة المالية، مما يعارض مفهوم الشركة العامة كوحدة اقتصادية ممولة ذاتياً. وأعرب الحيدري عن قلقه من تأثير هذا القرار على مصير الأرباح المخصصة للموظفين، ودعا إلى اتخاذ إجراءات قانونية للطعن فيه أمام الجهات القضائية المختصة.

رد فعل الحكومة والوزارة المختصة
أمام هذه الانتقادات، أوضح نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط حيان عبد الغني أن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، وجه بمراجعة القرار وعدم المساس برواتب موظفي الشركات النفطية. كما أعلن عن تشكيل لجنة لدراسة ومراجعة جميع الملاحظات المالية والقانونية للقرار، بما يضمن المحافظة على حقوق العاملين وعدم المساس بحوافزهم وأرباحهم. أشار عبد الغني إلى أن الحكومة ملتزمة بدعم العاملين في القطاع النفطي، وضمان حياة كريمة لهم.

 

التحليل والنظرة المستقبلية
من الناحية الاقتصادية: يتضح أن القرار يأتي ضمن سياق أوسع من الإصلاحات المالية التي تسعى الحكومة العراقية إلى تنفيذها من أجل تعزيز موارد الخزينة العامة. ومع ذلك، فإن الزيادة الكبيرة في نسبة حصة الخزينة من أرباح الشركات العامة، وخاصة النفطية منها، يثير تساؤلات حول الآثار المحتملة على أداء هذه الشركات. إن تحويل نسبة كبيرة من الأرباح إلى الخزينة قد يؤدي إلى تقليص قدرات هذه الشركات على الاستثمار في مشاريع جديدة أو الحفاظ على مستوى التشغيل الأمثل، ما قد يضر بالنمو الاقتصادي على المدى البعيد.

من الناحية السياسية والاجتماعية : يظهر القرار تبايناً واضحاً في الآراء داخل الأوساط الحكومية والتشريعية. وبينما تدافع الحكومة عن القرار باعتباره خطوة نحو الإصلاح المالي ودعم خزينة الدولة، يراه المعارضون انتهاكاً لحقوق العاملين وتحويلاً لنظام تمويل الشركات، خاصة في قطاع حساس كقطاع النفط. الاستجابة السريعة من قبل الحكومة لتوجيه مراجعة القرار وإعادة تقييمه تعكس قلقها من ردود الفعل السلبية التي أثارها، ومحاولتها لتحقيق توازن بين الحاجة إلى دعم الخزينة وحماية حقوق الموظفين في نفس الوقت.

الاستنتاج
قرار مجلس الوزراء العراقي رقم (24600) لسنة 2024 يمثل محاولة لتحقيق توازن بين دعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة حصة الخزينة من أرباح الشركات العامة، وبين حماية حقوق العاملين في تلك الشركات. ومع ذلك يظل القرار محاطاً بالعديد من علامات الاستفهام والانتقادات من قبل الخبراء والنواب، ما يستدعي متابعة دقيقة لتطورات هذا الملف، والقرارات القادمة التي قد تؤثر على استدامة الشركات العامة ومصالح موظفيها.