على هامش مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية مرة أخرى ـ 3 تفخيذ الرضيعة
الشيخ حسن عطوان ||
🖋 في الفقه توجد قواعد وعناوين ولحاظات وقيود وشروط وموضوعات يتغير الحكم الشرعي تبعاً لتغيرها ، مثلاً :
– الصوم في شهر رمضان حكمه الأولي أنّه واجب ، لكنّه يصير حراماً حينما يكون مضرّاً بالمُكَلّف ، كما لو كان يتسبب بمرض ، أو يزيد مرضاً ، أو يؤخر الشفاء من مرض ، عافاكم الله من كل مرض .
– والأكل من الميْتة محرم ، إلّا أنّه يصير جائزاً ليَسدّ الجائع رمقه .
– وشرب الماء مباح ، لكنه يصير واجباً لو توقفت حياة الإنسان على شربه ، ويكون حراماً لو منع الطبيب عنه ، كما هو الحال بعد إجراء المكلف لبعض العمليات الجراحية .
– والزواج حكمه الأولي هو الإستحباب ، لكنّه يصير واجباً إذا أدّى تركه الى الوقوع في الحرام .
– وحدّ السرقة هو قطع الأصابع ، إلّا أنَّ هذا الحد مرفوع في زمن المجاعة !
– وهكذا لو بنى الإنسان معملاً في قطعة أرض يملكها قريباً من حيٍّ سكني ، فمن جهة هو تصرف في ملكه ، وهو أمر قد أباحه المُشرّع بهذا العنوان ، ولكن من جهة أخرى لو تسبب التلوث بالإضرار بصحة الناس ، فسوف يرتفع حكم الإباحة ويتحول الى الحرمة ؛ لقاعدة ( لا ضرر ) ، والأمثلة كثيرة جداً .
🖋 وهذه هي ميزة الدين الخاتم ، فشريعته متحركة جعلت منه صالحاً لكل زمان ومكان ؛ ولذلك فإنَّ حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة .
📌 ومن ذلك : المسألة التي تحدث بها كلُّ مَن هبّ ودبّ ، وهي مسألة جواز العقد على الصغيرة بإذن الولي – الأب والجد للأب – دون الدخول بها ، وجواز ممارسة بعض الإستمتاعات بما عُرف ب ( تفخيذ الرضيعة ) .
📌 فأولاً : إنَّ أصل جواز العقد على الصغيرة بإذن الولي هو مجرد حكمٍ بالعنوان الأولي ، وإلّا فهو مقيدٌ بقيود ومشروط بشروط لا تتحقق عادةً ، منها أنّه لكي يجوز للولي أنْ يأذن بأصل العقد فلا بد أنْ يكون في ذلك مصلحة للصغيرة أو الصغير .
وعادة لا توجد مثل هذه المصلحة ، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه .
📌 وثانياً : مسألة ( تفخيذ الرضيعة ) مجرد فرضٍ مبنيٌ على فرض .
ولتوضيح ذلك أقول :
لعل أصل تجويز العقد على الصغيرة ، له حكمة ما ، قد نجهلها ، وقد نعرف بعض صور ضرورتها ، وكونها حلّاً لمشكلة ما ، كما مرّ بعض المؤمنين ببعض مسوغاتها ، ففي أيام الجور أضطر بعض المؤمنين الى التخفي في بيوت أصدقائهم أو إقربائهم ، لأشهر بل لسنوات ، وفي مثل هذه الظروف يكون الإلتزام الكامل بالحجاب حرجياً جداً لزوجة صاحب البيت ، فيعقد المتخفي بإذن الولي على بنتٍ صغيرة ؛ لكي تكون أمها بمثابة أم الزوجة للمتخفي فتصير مُحَرّمة عليه ومحْرماً له .
ولعل مثل هذا الحكم لهذه الحكمة أو لغيرها قد جرّ بعض الفقهاء لفرضيات محضّة لا تطبيق لها في أرض الواقع ، تماماً كما في أسئلة بعض المتدينين الفرضية :
من قبيل : ماذا لو ثُقبت الأرض فصار الجانب الآخر من الكرة الأرضية مشمساً ، فهل تجب الصلوات النهارية ؟!
ومن قبيل : ما لو عاش الإنسان على المريخ ، فإلى أين يتّجه في صلاته ؟!
وما إلى ذلك .
📌 من هنا نفهم مسألة : ( تفخيذ الرضيعة ) فهي مجرد فرض ، إذ لم تنقل لنا سيرة المتدينين تطبيقاً لها ، ولا حتى في حادثة واحدة .
فالمسألة كلها إفتراض في إفتراض !
والمتخصصون وأهل الدار يعرفون ذلك جيداً .
📌 ولكن الذين في قلوبهم مرض ، وخلفهم أصحاب الأغراض ، هوّلوا الأمر وصوروا للبسطاء أنَّ هذا هو ديدن أهل الدين !!
📌 المشكلة كل المشكلة تكمن حينما يتطفل غير المتخصص فيتدخل فيما لا يفقه !
والغريب إنَّك تجد أنَّ الناس تحترم كل التخصصات ، فالطبيب محتَرَم في تخصصه ولا يناقشه أحد فيه ، وهكذا المهندس والكيميائي والفيزيائي وعالم الإجتماع والإقتصاد والنفس ووو .
إلّا في الشريعة !!
فحينما يصل الأمر الى إستنباط الحكم الشرعي ، وهو مجال له قواعده وقوانينه ، ويستند الى علوم متعددة ومقدمات كثيرة ، لا يجيد الخوض فيها إلّا مَن قضى سنوات بل عقود ، درساً وتدريساً وبحثاً ومناقشات وسهرٍ وجهد ؛ ليستطيع التوصل من خلال كل ذلك الى مرادات المُشَرّع ، ولكن مع الأسف تجد حتى مَن لا يجيد الوضوء يقحم نفسه في ذلك ، وحتى مَن لا تُميّز بين الهر والبر تتحدث فيه ، وتنقل الفتاوى ، وتخبر عن الله سبحانه ، وعن المعصوم ، في فوضى عجيبة غريبة !!
📌 على أنَّ بعض هؤلاء – رجالاً ونساءً – مَن لا يؤتمن على شيء ، لا في حاجة من حوائج الدنيا ، ولا في قيمة من قيم الآخرة !
📌 مع أنّي أتمنى أنْ تُحذف هذه المسألة – من كتب الفقه – بل وغيرها من المسائل الفرضية ، وتلك التي لا تطبيق لها اليوم ، كما فعل كثير من الفقهاء المعاصرين الذين عاشوا هموم عصرهم ، وتنبهوا لشبهات المغرضين وأهل الجهل ، وهم كثيرون في هذه الأيام .
عظّم الله الله أجوركم .
وهو – جلّت قدرته – حسبنا ونعم الوكيل .
27 / صفر الخير / 1446 هج .