الانتماءات السالبة للإرادة..!
محمد مكي آل عيسى ||
لا يستطيع الإنسان العيش دون مجتمع إنساني ينتمي إليه لتعدد احتياجاته الضروريّة الّتي لا يستطيع تلبيتها لنفسه بنفسه فيعتمد بذلك على أبناء جلدته يخدم بعضهم البعض ويلبي بعضهم حاجات البعض الآخر.
وداخل هذا الانتماء الكبير للمجتمع الإنساني هناك انتماءات أصغر : قوميّة ، حزبيّة ، عائليّة ، دينية ، عرقيّة ، جغرافية ، وغيرها .
وكثير من هذه الانتماءات سالب للإرادة يفرض على أتباعه من الفكر والفعل ما ليس بحق فيدخل المنتمي في دوّامة داخليّة ما بين نفسه المجبولة على اتباع الحقّ وما بين ما يمليه عليه انتماؤه.
ومن يتّخذ فكراً لا يؤمن به انسلخ عن انسانيّته فإن الكمال الإنساني للإنسان إنما هو باتباع ما يمليه عليه عقله بشرط مطابقته للواقع ، ومن قامت عليه حجّة عقلية وقطع بها فإن مخالفته لذلك هو انقسام داخلي في نفسه يدخل العقل فيه جحيماً لا يطاق ، إلّا إذا تغلّبت باقي دوافعه النفسيّة على عقله وأقنعته بالفوائد المترتّبة على مخالفته لقطعه اليقينيّ كالمال والسلطة والشهرة والنفوذ وهنا يكون قد نزع ثوب الإنسانيّة متجرّداً عنها ومتقمّصاً ثوباً دون ذلك بل أضلّ سبيلاً.
ومما يميّز مدرسة أهل البيت ع أنها كانت الرائدة في توجيه الفكر وتلبية حاجته واتباع الدليل وحجيّة القطع والّتي فرضت على متّبعيها أن تجانب عقائدهم التقليد ، وأن يحرز المكلّف أدنى دليل على ما يعتقد وممّا يميّزها ايضاً أنها تميّز بين الانتماء الأهم والانتماء الأقل أهمّيّة كما وتحدد طريقة التعامل مع كلّ انتماء وفق ما يستحقّه ذلك الانتماء.
اليوم من الابتلاءات أن المنتمي لتيّار ، لمجموعة ، لمؤسسّة ، لحزب لأي كيان وفي هذا الكيان عنصر أو أكثر من المسيئين الفاسدين ولا يستطيع أن ينتقد السيّئ لأن الكيان أو الحزب لا يرضى بل الأنكى من ذلك أن عليه أن يدافع عن هذا المسيء الفاسد ويترضّى عنه ويمدحه متناسياً كل سيئاته وفساده تملّقاً لحزبه وتيّاره . . تبّاً وتعساً لحياة لا إرادة معها.
تسلب الكثير من الأحزاب قوّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تسلب الإرادة ، تسلب الحريّة تلك الّتي ثبّتها علي بن أبي طالب في وصيّته لولده الحسن قائلا:” ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ” . . نعم أصبح الكثير عبد حزبه . . عبد تيّاره . .عبد جماعته يطيع حزبه بما لا يطيع الله فيه ، يملي عليه الحزب ما يشاء وما يريد ، والذريعة : أن هذا الحزب يعمل لله فطاعة الحزب طاعة لله !! . . ويحهم استبدلوا طاعة المخلوق بطاعة الخالق وجعلوا من الأحزاب والتيّارات أصناماً معصومة وهم لها عاكفون.
نسوا أن الحسين ع بذل دمه ودماء أولاده وإخوانه وأصحابه وقدم تلك التضحيات الجسيمة مقابل كلمات يبايع بها يزيد الظلم وآثر أن يستشهد حرّاً على أن يعيش عبداً لغير الله .
إنّ إضفاء العصمة على القائد فلان وعلى المسؤول فلان لأنه ينتمي للحزب كذا ، مدمّر لنفس القائد الفاسد ، لنفس المسؤول الفاسد ، لأنه يجرّؤه فيقحمه بمزيد من الفساد حتّى يفتضح أمره وتنتشر رائحة فساده فتكبو به بطنته ويقضى عليه هذا أوّلاً وثانياً فإن هذه الأمر مدمّر لنفس الحزب والتيّار إذا امتلأ بالفاسدين ، وبذا فَقَدَ هذا التيّار شرفه وأمانته وضيّع أهدافه وتحول إلى عصابة سرقات وقطّاع طرق.
إضافة لما ذكرناه من سلب لإرادة الأتباع وقيادتهم قيادة الراعي الفاسد لقطيع جاهل لا قيادة المخلص المجاهد لعصبة رشيدة واعية وبالتالي خسارة فكرهم خسارة ابداعهم الّذي لا يمكن أن ينطلق إلّا إذا انطلقت حرّيّتهم
نحن بحاجة لثقافة تجعلنا نصون جماعاتنا نصون أحزابنا ومؤسساتنا لا أن ننهيها وننهي أنفسنا معها ، نحتاج أن نميّز بين عثرة يجب أن تُقالَ وتُستَر ، وبين سيئة يجب أن تُقتلعَ وَتُهجَر ، نحتاج لأن نعرف كيف نفصل ما بين تقويم الحزب والتيار والمؤسسة والدفاع عنها وصيانتها والحفاظ عليها وما بين التستّر على فسادها وخيانة الله ونفوسنا في ذلك.
“يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون”