الاثنين - 09 سبتمبر 2024

💎 جواهر عَلَويَّةٌ: لَيْسَ الْمَلَقُ مِنْ خُلُقِ الْأَنْبِياءِ..!

منذ 6 أيام
الاثنين - 09 سبتمبر 2024

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||


📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ الْمَلَقُ مِنْ خُلُقِ الْأَنْبِياءِ”

الأنبياء هم صفوة الخلق وأكمل البشر وأسماهم أخلاقاً وأرفعهم سلوكاً، ولو لم يكونوا كذلك لما اصطفاهم الله تعالى للنبوة، ولا اختارهم لحمل رسالاته إلى البشرية، ولا جعلهم أسوة حَسَنَة للناس، جميعهم بلغوا الدرجة العالية من سُلَّم الأخلاق، كانوا هم والأخلاق كالجسم والروح، يدل على ذلك أن أعدى أعدائهم لم يطعن عليهم في أخلاقهم، لقد اتصفوا بكل فضيلة ومكرمة، واجتنبوا كل رذيلة، كانت الغاية من بعثتهم تتميم الأخلاق بناء المجتمع الأخلاقي.

إن من أخلاق الأنبياء (ع) اجتناب “التَّمَلُّق” هذا المرض الأخلاقي الخطير، والمُزمِن، فكلَّما كانت السُّلطة والقدرات مُركَّزة في يدي شخص أو جماعة، -وكان له ولهم أن يتصرَّفوا وفق رغباتهم، من يَرضَون عنه يرفعونه، ومن يغضبون عليه يذلونه ويقطعون عنه خدماتهم- كان “التَّمَلُّق” لهم هو السائد من أكثرية الناس أو الشعب.

لقد نخر التَّملُّق المجتمعات قديماً وحديثاً ولم يزل، وهو لا يقتصر على مجتمع دون آخر، بل حتى في المجتمعات التي طابعها التديُّن والالتزام الديني ليست بريئة من ذلك، بل يعصف بها هذا البلاء العظيم، وهو بلاء عظيم حقاً، لأنه يصنع مجتمعاً منافقاً، ويؤدي إلى تجاوز كل المعايير لعلاقات إنسانية راقية قائمة على المودة والاحترام الحقيقيين، والتعاون والصدق، والصراحة، والوضوح، واحترام الإنسان لإنسانيته، وإنصافه، وعدم بخسه حقَّه المادي والمعنوي.

إن التمَلُّق نفاق، وخداع، ومكر، وكذب، وتحايل على الواقع، لأن المتملِّق يفعل ذلك ليُدنيه من يتملق له، أو يعطيه، أو يساعده، أو يضعه في موقع من مواقع الوظيفة والمسؤولية وسوى ذلك، فهو يتمَلَّق له من كذب وخداع، نعم إذا كان مؤمناً بما يقول صادقاً فيما يفعل، فقد يخرج الأمر عن حدود التَّمَلُّق ولكنه يدخل في حَيِّز الإطراء والمدح المبالَغ فيه، وهذا يُنبئ عن شخصية غير متوازنة لدى المادح، كما أنه يوقع الممدوح بالعُجب، وغالباً ما يؤدي به إلى الاستكبار على الناس إلا من رحم الله.

وكما لا يقتصر التملق على زمن خاص، ولا على مجتمع خاص، كذلك لا يقتصر على صنف خاص من الناس، بل تراه فاشياً في مجتمعاتنا، فأينما ذهبت رأيتَ متمَلِّقاً متزلِّفاً يتودَّد إلى هذا وذاك بالنفاق، ويطريه بأعذب المديح والإطراء، فأيَّ إدارة حكومية أو أهلية دخلت إليها تجد فيها المتملقين يمارسون فعلَتهم على مرأى من الناس حتى ليصيبك الدُّوار وتأنت تشاهدهم وتسمعهم، وأي وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة تجد المتملقين فيها من إعلاميين وكتَبَة،

ولا يقتصر الحال عليهم إنك تجد التملق عند السياسيين يتملقون لمن فوقهم، فمنهم من يتملق لرئيس مجلس نيابي، ومنهم من يتملق لرئيس حكومة، ومنهم من يتملق لرئيس الدولة، ومنهم من يتملق لرئيس حزب، ومنهم بل جُلُّهم يتملق لسفير هذه الدولة أو تلك، وتجد (علماء) وضعتها بين هلالين لأن العالم الحق لا يتملق إلا لله تعالى، إن المتملقين من هؤلاء كثير للأسف، يتملقون إلى الملوك والأمراء، يرضونهم بما يخالف حكم الله القطعي، يفتون لهم، ويبررون لسياساتهم، ويُحرِّمون النقد لهم فضلا عن الخروج عليهم.

وفضلا عن كون التملق نفاقاً وخداعاً فإنه يكشف عن شخصية تتحكَّم بها المطامع الشخصية والانتهازية من جهة، وتفتقد الإحساس بالكرامة وعِزَّة النفس، وليست لها مواقف ثابتة ولا ولاءات دائمة، فهي تتملق ما دامت مصلحتها تقتضي ذلك، فإذا اقتضت أن تذمك فتذمك، ولهذا حذَّر الإمام أمير المؤمنين (ع) منها فقال: *”مَنْ مَدَحَكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ الجَمِيلِ وَهُوَ رَاضٍ عَنْكَ ذَمَّكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ القَبِيح وَهُوَ سَاخِطٌ عَلَيْك”**

فجر يوم الأربعاء الواقع في: 4/9/2024 الساعة (04:35)