حوار مع الذاكرة..!
ناجي ألغزي ||
كاتب سياسي الحلقة ( الاولى)
تأملات في تقلبات الحياة
في تلك اللحظات العابرة من التأمل، تنساب إلى أعماقنا ذكريات الماضي كما لو كانت لقطات من شريط سينمائي غير منته، تتوالى مشاهد الأحلام والطموحات الساذجة التي كانت تطاردها أرواحنا الفتية. لكن الحقيقة تكمن في التفاصيل التي أغمضنا أعيننا عنها حينذاك. بينما كنا نعتقد أن الحياة تقدم لنا المتعة بكرم، كانت في الواقع تقدّم لنا الحزن والألم بكرم أكبر، خفية تحت السطح هي الآلام، مثل نهرٍ من الشجون يجري بهدوءٍ دون أن نلاحظه حتى يفيض علينا فجأة.
كان الألم يتسلل إلى أيامنا، مغلفاً في تلك اللحظات التي نعتقد أنها سعيدة. كان الحزن يتشكل في ظلال تجاربنا، يتراكم دون أن نشعر حتى يصبح جبلاً يقف بيننا وبين أحلامنا. في سذاجة شبابنا، كنا نغمض أعيننا عن هذا الكرم الخفي، نركض خلف اللحظات العابرة، بينما يختبئ الألم في الزوايا، ينتظر لحظة ليظهر فيها، فيملأ قلوبنا بحسرةٍ لا نعرف كيف نواجهها.
ورغم أننا ننظر الآن إلى الوراء بعينٍ ناقدة، وقد اكتسبنا عقلانية تمنحنا القدرة على التمييز بين الفرح المزيف والحزن الدفين، إلا أن تلك التجارب التي شكلت شبابنا لا تزال محفورة في ذاكرتنا. كانت الحياة تعلمنا دروسها القاسية ونحن لا ندري، كان الألم هو المعلم الأول، والحزن هو الذي صنعنا، بقدر ما كانت الأحلام. هكذا كان الماضي، يقدم لنا كل شيء، ولا يطلب منا شيئاً سوى أن نحمل تلك الذكريات معنا في رحلتنا نحو النضج.