الإمام الرضا (ع): أنيس النفوس وولي الله في أرضه..!
د. عامر الطائي ||
تحل علينا ذكرى استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ثامن المعصومين، والذي يُعرف بأنيس النفوس، ذاك القائد الذي امتدت أنواره على قلوب المحبين، زاهد في الدنيا، متعبّد في الليل والنهار، أضاء بوجوده سماوات الفكر والإصلاح، وحمل بين جوانحه همّ الأمة وهدى الناس إلى سبيل الرشاد.
الإمام الرضا، سلام الله عليه، ليس مجرد إمامٍ بين الأئمة، بل هو نبراسٌ أضاء طريق الحقيقة وسط عواصف الجهل والظلم، وقائدٌ جريءٌ وقف في وجه الظلم والطغيان رغم محاولات التضييق عليه ونفيه إلى خراسان. هو ابن الأئمة الأطهار الذين حاربوا الباطل بفكرهم، وعدالتهم، وأخلاقهم، فكان صوت الله في أرضه، الحاكم العادل، والعالم الذي جمع بين علوم الدنيا والآخرة.
كانت حياته عليه السلام مليئة بالعلم والحكمة، مدرسةً للزهد والتقوى، وفي محراب عبادته تتجلى روعة التسليم لله، وحين يتحدث، كانت الكلمات تتدفق من فمه كأنها جداول نور تنهمر على قلوب المتلقين. فالإمام الرضا لم يكن فحسب عالمًا بالدين، بل كان أيضًا مفكرًا ومصلحًا، أسّس قواعد الحوار الفكري والبحث العلمي في زمنٍ تميز بالتعددية الثقافية والفكرية. جلس مع علماء الأديان والمذاهب، فحاورهم بالحكمة والموعظة الحسنة، واستطاع أن يُرسي أصول الحوار الراقي المبني على العقل والمنطق.
إن أعظم ما يميز الإمام الرضا عليه السلام هو عمق إنسانيته ونبله. كان ملاذًا للمحتاجين، وأنيسًا للقلوب المتعبة، لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين قوي وضعيف. تراه يشمل الجميع برحمته وحبه، يداوي الجروح، ويمسح على قلوب المعذبين بيده الطاهرة، يفيض وجهه بنور المحبة، ولسانه لا يفتر عن ذكر الله وشكره.
في خراسان، حيث عاش سنواته الأخيرة، أرسى الإمام أسس الحياة الكريمة للناس، رغم الحصار السياسي والاضطهاد الذي تعرض له. لم يسكت عن الحق، ولم يخضع لطغيان المأمون، بل واجه تحديات الواقع بصبر المؤمن، ورفض مهادنة الظلم حتى أُزهقت روحه الطاهرة مسمومةً غدراً. لكن رغم غيابه الجسدي، بقي الإمام الرضا عليه السلام حيًا في القلوب، درسًا خالدًا لكل من يريد أن يفهم معنى القيادة الحقة، والولاية التي لا تعرف الخضوع إلا لله.
في ذكرى استشهاده، نستذكر عظمة هذا الإمام النقي التقي، ونقف أمام سيرته التي تبعث فينا العزم على مواصلة الطريق، والتمسك بالحق مهما عظمت التحديات. إن الإمام الرضا عليه السلام ليس فقط أنيس النفوس بل هو قبلة القلوب الباحثة عن الهداية، ومثالٌ للثائر الحق الذي لا يخشى في الله لومة لائم. رحمة الله عليك يا علي بن موسى الرضا، يا حجة الله في أرضه ووليّ العارفين إلى يوم الدين.