مكة، قم، الأزهر، النجف، والبيت الأبيض
أمين السكافي (لبنان – صيدا) ||
قد تستغربون، أعزائي القراء، عن الجامع المشترك بين المناطق في عنوان المقالة. إنها الفتوى الدينية، هذا هو القاسم المشترك بينهم. لا تستغربوا، وقد يقول قائل: ما علاقة البيت الأبيض بفتاوى المسلمين؟ وهذا حقه، طبعًا، ولكن إن صبرتم علي قليلاً،
ستتركوني أريكم وتقرؤون بأم العين كيف اعتبر البيت الأسود من قلوب ساكنيه مرجعًا من مراجع التشريع والفتوى عن جزء كبير ممن يدعون الإسلام.
إن كنت مستعدًا، عزيزي القارئ، فلنبدأ رحلتنا في التاريخ القريب لنبرهن لك ولكل متشكك بصدق مقالنا.
نبدأ من لقاء محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، وهو واعظ ديني وخريج المدرسة الحنبلية. لم يكن بن عبد الوهاب سياسيًا، لكنه كان لاهوتيًا خالصًا. المهم، سعى محمد بن عبد الوهاب لتحصيل الحماية من محمد بن سعود، وهو زعيم قبلي ذو طموحات واسعة. حيث أنشأ الرجلان تحالفًا تاريخيًا قام على تبادل بسيط للمنافع. كان محمد بحاجة إلى حماية دعوته المتشددة، وفي المقابل كان ابن سعود بحاجة إلى غطاء ديني لطموحاته.
بعد عدة سقوط وقيام لدولة آل سعود، وبعد قضائهم بدعم بريطاني على آل رشيد، أقام الشاب عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية بشكلها الحالي عام 1932، وكان الراعي الرسمي لها بريطانيا قبل أن تتحول الرعاية إلى أميركا، خصوصًا عند البدء باستخراج النفط. ورغم كل شيء، ظل تحالف آل سعود مع أبناء ومريدي عبد الوهاب قائمًا ومتينا، ولكن ابن سعود عرف أنه يحتاج إلى أمر ثالث لثبيت دعائم حكمه، وهو الدعم الأميركي بعد أن آلت إليها قيادة العالم في نهاية المطاف.
لكي نأخذ فكرة بسيطة عن طريقة تفكير رجال الدين في المملكة، خريجي مدرسة بن عبد الوهاب، قام رجال الدين بضرب خادم للملك يومًا ما بسبب ركوبه دراجة، وصفوها بعربات الشيطان.
نأتي لبيت القصيد، فبعد مراجعة السياسة الخارجية للملكة، يتبين لنا أنهم دعوا للجهاد في أكثر من زمان ومكان، مع أنهم يفضلون العزلة. ولكن عندما اضطروا، نبشوا قبر بن عبد الوهاب ليقوم ويدعو للجهاد مع الداعين.
البداية كانت من أفغانستان ودخول الاتحاد السوفييتي لها محتلاً، فكانت الدعوات للجهاد ضد الغازي المحتل وفتح باب التطوع لمن يريد الالتحاق ودعم المجاهدين، أفغان وعرب وسعوديين، خصوصًا بكل شيء، وكانت هذه وظيفة الأمير تركي الفيصل، مدير المخابرات السعودي، بتأمين كل ما قد يحتاجه المقاتلون من مكان إقامتهم على الحدود الأفغانية الباكستانية.
عندما انتهى الجهاد في أفغانستان، بدأت الدعوة للجهاد في مكان آخر، طاجيكستان، التي انفصلت عن روسيا، بعدها الجهاد في البوسنة وصولًا إلى الشيشان. المملكة لم تترك مكانًا تواجد فيه الروس إلا ودعت للجهاد فيه بحجة وجود مسلمين يتعرضون للإضطهاد والظلم، ولم تقصر بشيء من دعم لوجستي ومخابراتي ومالي، وطبعا كل ما تشتهي الأنفس من أنواع السلاح، كله عن طريق المخابرات السعودية.
الغريب في الأمر أن السعودية، وفي كل دعواتها، لم ترَ أن فلسطين محتلة وأنها القضية الرئيسية للمسلمين، وأنها يجب أن تكون قبلة المجاهدين. ولكن المملكة لا ترى فلسطين أو احتلالها أو الدم المسفوك فيها وفي محيطها من قتل وتدمير وتشريد.
لماذا؟ لأن الراعي الأميركي يمنع هذا، وأن كل فتاوى الجهاد تصدر من البيت الأسود، لا من مكة أو غيرها، وأن الأميركي هو من يحدد وجهة الجهاد، وأئمة السوء في المملكة يلبيون فتاوى غب الطلب. أما فلسطين، فلها الله ورجالها ومحورها. أما آل سعود، فهم يجاهدون العدو الصهيوني بالتطبيع والاتفاقيات، وخصوصًا أن اليهود أبناء عمومتنا، فيجب على السعوديين أخذهم بالحسنى.