الأحد - 06 اكتوبر 2024

 الإعلام العربي بين التجاهل والتحديات..!

منذ أسبوعين
الأحد - 06 اكتوبر 2024

سمير السعد ||

على مدى العقود الماضية، شكّل الإعلام العربي حجر زاوية في دعم قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين والصراع المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في هذا الدور الذي كان محوريًا في تعزيز وعي الشارع العربي والتأكيد على الهوية المشتركة.

فلماذا أصبح الإعلام العربي أقل فعالية في هذا السياق، وما هي التحديات التي تواجهه؟

شهد الإعلام العربي في العقدين الأخيرين تحولات جذرية؛ من حيث المنصات المستخدمة أو من حيث الرسائل التي يتم تبنيها. ظهور القنوات الفضائية الخاصة والمنصات الرقمية، بالإضافة إلى التغيرات السياسية والاجتماعية في العديد من الدول،

جعلت من هذه المؤسسات الإعلامية تميل نحو القضايا المحلية والاقتصادية بدلاً من القضايا القومية. علاوة على ذلك، تأثرت كثير من وسائل الإعلام بضغط الحكومات، التي سعت إلى تهدئة التوترات مع القوى العالمية، وبالتالي أضعفت تغطية الإعلام لممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

يُتهم بعض الإعلام العربي بالتجاهل المتعمد أو التقليل من حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، سواء في فلسطين أو في لبنان.

هذا الإهمال يتضح في غياب التغطية المستمرة والانحياز لمواضيع بعيدة عن تلك التي تتعلق بحقوق الشعوب المضطهدة تحت الاحتلال. بعض القنوات الإعلامية، التي كانت في وقت من الأوقات منبرًا للحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني واللبناني، أصبحت الآن مشغولة بالمواضيع الترفيهية أو السياسية المحلية.

من جهة أخرى، يواجه الإعلاميون أنفسهم ضغوطًا من الجهات الممولة أو الداعمة، التي قد تتبنى سياسات تقربها من القوى العالمية المؤثرة التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بشكل أو بآخر. هذا الضغط أدى إلى تقليص مساحة التعبير عن معاناة الفلسطينيين واللبنانيين، مما انعكس سلبًا على الرأي العام العربي.

على الرغم من التراجع الذي شهدته وسائل الإعلام التقليدية، برز دور الإعلام البديل، بما في ذلك المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية. كثير من الناشطين والصحفيين المستقلين يعتمدون على هذه المنصات لإيصال صوت المظلومين وتوثيق الجرائم المرتكبة. لكن هذا الإعلام البديل لا يزال يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والمصداقية،

إذ غالبًا ما يُنظر إلى تلك المنصات بأنها أقل تأثيرًا مقارنة بالقنوات الفضائية الكبرى.

في ظل هذا الوضع، تظل قضية فلسطين ولبنان بحاجة ماسة إلى دعم إعلامي أكبر وأكثر تأثيرًا.

إذ يجب على الإعلام العربي أن يتخطى الحواجز السياسية والاقتصادية التي تقيده ويعيد تموضعه كمنبر للعدالة والحرية، مُدركًا أن دوره لا يقتصر على نقل الأخبار، بل على تشكيل وعي الشعوب وحشد التضامن العربي والدولي ضد جرائم الاحتلال.

مع كل هذه التحديات، يحتاج الإعلام العربي إلى تطوير استراتيجيات جديدة لضمان استمرار دعم القضية الفلسطينية والقضايا اللبنانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. يمكن تلخيص بعض هذه الاستراتيجيات في أن يتم دعم الإعلام المستقل، سواء كان ذلك من خلال توفير تمويل مستدام أو تدريب الصحفيين على التحقيق الصحفي والتغطية الميدانية المستقلة. الإعلام الذي لا يعتمد على التمويل الموجه سيكون أكثر قدرة على تغطية القضايا بحرية ونزاهة.

استخدام المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي تمثل أداة قوية لنشر الوعي حول قضايا فلسطين ولبنان. يمكن استغلال هذه المنصات لتوثيق الجرائم ونشر القصص الإنسانية التي تكشف عن معاناة الشعوب تحت الاحتلال، خصوصًا في ظل القيود المفروضة على الإعلام التقليدي.

التعاون مع المؤسسات الإعلامية العالمية التي تدعم حقوق الإنسان قد يسهم في نشر الحقيقة وتوضيح واقع الاحتلال الإسرائيلي على نطاق أوسع. هذا التعاون قد يساهم في الوصول إلى الجماهير الدولية ويعزز من الضغط العالمي على إسرائيل.

من المهم أن يلعب الإعلام دورًا في تعزيز وعي الجمهور العربي حول أهمية استمرار دعم القضية الفلسطينية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم برامج وثائقية وتحليلية تعيد التركيز على التاريخ والواقع الحالي للصراع، وتعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه القضية.

وفي الختام إن الإعلام العربي، رغم التحديات التي يواجهها، يبقى قادرًا على لعب دور فعّال في دعم قضايا الأمة إذا ما توافرت له الحرية والاستقلالية. القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية،

بل هي قضية إنسانية وأخلاقية تتطلب من الإعلام العربي أن يعيد ترتيب أولوياته والالتزام بمبادئه الأخلاقية في مواجهة الظلم والاحتلال.