الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024

التعاون، منهجُ إسنادٍ ونصرة..!

منذ 3 أسابيع
الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024

كوثر العزاوي ||

قال الله عزوجل:
{..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..﴾ المائدة -٢-
وردت التأکيد في روايات تحثّ علی التعاون والتعاضد علی فعل الخير والإحسان ومتابعة المظلومين والمحرومين وتقديم المساعدات لهم،

وفي المقابل ورد نهيٌ شديد عن نصرة الظالم وتأييده، وقد عبّر عنه القرآن بمفهوم “البرّ” وللبرّ صور وأفعال متنوعة لا تُحصر، فمنها: التعاون في تقديم المال، والتعاون في بذل النفس، والجهاد في سبيل الله، والتعاون في كفّ الظالم ونصرة المظلوم،

وردِّ الحقوق لأهلها، والإصلاح بين الناس، وبذل العلم، والتعاون في قضاء الحاجات وإعطاء المحتاج وإغاثة الملهوف،

وكلّ فعل للخير داخل في دائرة البر الذي يثاب المرء عليه، لذا فإنّ إحياء هذا المبدأ لدی المجتمعات الإسلامية، وتعاون المسلمين فيما بينهم، ودعم بعضهم عند الملمات والبلوى، يعدّ نصرة للدين وإرساء قواعده، سيما اذا كان المعيار مساندة الحقّ،

دون النظر إلى باعث معين يسوق باتجاه القبيلة أو المنطقة أو الطائفة أو العرق أو اللغة، كما ينبغي الأمتناع عن مساندة أي نوع من التعاون مع الذين يمارسون الظلم والعدوان، بغضّ النظر عن تبعية أو انتمائية الفئة الظالمة،

كل ذلك من شأنه أن يزيل الكثير من الموانع التي تسبب الضعف والخوف في المجتمعات الإنسانية، ولعل ماأشارت إليه الآية المباركة، هو تأكيد على ضرورة بث روح التعاون بين المسلمين وضرورة أن يتَّحدوا في سبيل الله على فعل الخيرات والتزام التقوی، وأن لايتعاونوا على الشر والعدوان،

و‏هذا ماأكدته الآية الكريمة التي تعتبِر التعاون مبدأً إسلاميًا عامًا، تدخل في إطاره جميع المجالات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والحقوقية وغيرها، وقد أوجبت هذه الدعوة علی المسلمين، المبادرة وعدم التواني في مدّ يد العون الى مَن تَطالُهم من المسلمين نكبة من حرب أو اعتداء أو ظلم،

كما منعتهم ونهَتهُم عن التعاون في أعمال الشرّ والإثم الذي يدخل في إطارهما الظلم و الاستبداد والجور بكل أصنافه، أمّا اليوم ومن المؤسف، ان نشاهد بعض المسلمين سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو على مستوى حكوماتٍ تدّعي الأسلام والتزام مبادئه لكنها تقف إلى جانب الظالمين وتمدّهم بالنصرة والتعاون ضد المسلمين،

بحجّة أنّ مصالحهم الدولية تقتضي ذلك، فأيّ خير ترجو ممن وضع يده بيد العدو الغاصب وهو يرى اشلاء المسلمين تتناثر جراء قصفهم بصواريخ بعيدة المدى، لتتسع رقعة الإبادة الجماعية وتستمر شهورًا عديدة دون أن يحرك ذلك القسم من المسلمين ساكن سباتهم،

بل الأنكى تحالفهم مع العدو لضرب المسلمين المستضعفين كما في غزة ورفح وجنوب لبنان، وكأنهم لم يقرؤوا القرآن، فلا رعاية لمبدأ التقوى ولاعهدًا لحرمة الاسلام! وهذا نقيض ما يدعو الله تعالى إليه من البرّ ،

وخلاف ما أنزل من أحكام وتعاليم يدّعون الإيمان بها! ولكن حسبنا مصاديق ناصعة، جسدت ومازلت تجسّد المفاهيم القرآنية الإسلامية وبشكل عمليّ مخلص، مثلما أثبته الموقف الإنسانيّ للمرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف في بيان عالي المضامين وهي تؤكد مبدأ التعاون على البرّ والتقوى بمطالبة المسلمين ببذل كل جهدٍ ممكن لوقف العدوان الأسرائيلي الهمجي المستمر على المسلمين،

وتدعو الى حماية الشعب اللبناني من إبادة الشعب اللبناني عبر التعاون والإغاثة بما يساهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية والشخصية، بل أبعد من ذلك عندما أذِن سماحته بصرف الحقوق الشرعية في شؤون أهل لبنان! فكل ماصدر عنه “حفظه الله” لم يكن جزافًا أو بدعًا من القول،

إنما هو منهج القرآن الذي تربى عليه العلماء الرّبانيين، الذين نهلوا نمير آل محمد “عليهم السلام” ورسّخوا مبادئ السماء في أقوالهم وأفعالهم، كما جاء عن الإمام الصادق”عليه ‌السلام”: {ومن مشی في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله…”وسائل الشيعة، ج/ ٨- وفي قبال ذلك ورد نهيٌ شديد عن نصرة الظالم انطلاقًا من أمره”عزوجل”{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..﴾

ومن هنا نقول:

لو التزم المسلمون منهج القرآن كما يدّعون لما استطاع العدو شق صفوفهم، ولو امتنعت دول العالم الأسلاميّ عن التعاون مع كل دولة معتدية -أيّا كانت- لقُضي علی جذور العدوان المتمثل بالكيان الغاصب وحلفائه في العالم،

ولكن حين ينقلب الميزان وتتعاون الدول مع المعتدين والظالمين بحجّة أنّ مصالحهم الدولية تقتضي ذلك، فلا يمكن توقّع الخير منهم، ومانراه من من دمار يسود العالم شاهد عليهم، فعلی المجتمع المسلم أن لا ينجرّ خلف قناعات حکوماتهم المطبِّعة،

بل عليهم كمسلمين أتباع أهل الحق ورجاله، ومساندة أعمال الخير والبرّ، وإدانة الظالمين، من أجل النهوض بجميع الفضائل، وتعريفها العالم عند الشدائد، من أجل تحقيق الهدف الإلهي”وتَعَاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوَى”

٢٠-ربيع الأول-١٤٤٦هجري
٢٤-أيلول-٢٠٢٤ميلادي