الاثنين - 14 اكتوبر 2024

التنصت السياسي والسلطة الاجتماعية..!

منذ 3 أسابيع
الاثنين - 14 اكتوبر 2024

رياض الفرطوسي ||


تمتلك السلطة الاجتماعية ارشيفا جاهزا من الحوادث والافعال وسجلا عن حياتك منذ الولادة وحتى الممات ‘ تضع في هذا الارشيف كل ما يخصك من هفوات وحكايات وقصص تم نسجها بطريقة خبيثة ومستقطعة ‘ حيث توسع من دائرة الخطايا
والمساوىء للانسان .يتم التلصص عليك لابسط واتفه الاسباب والتفاصيل.

في المجتمعات المغلقة اجتماعيا وسياسيا يتحول الانسان الى ملكية عامة ‘ بحيث عليه ان يفكر كما يفكر المجتمع ويتصرف كما يريد الجمهور ويلغي ذاته وخياراته وخصوصيته في المشي واللبس والكلام والجلوس وليس من حقه ان يخرج عن المتفق عليه والسائد .

ان تكون ملكية عامة في مجتمع النسخ والتكرار والتشابه يعني ان تتحول الى رصيف ‘ او كرسي مقهى او هاتف عمومي او عمود كهرباء في احسن الاحوال .

هذه خاصية المجتمعات التي تجتر مروياتها التاريخية من دون مراجعة او فحص او نقد .

بعض الناس ينافسون الملائكة في الارشفة بل ان الكثير منهم يعمل اكثر مما تعمل الاجهزة الامنية في رصد الاخر وتسجيل كل حركاته وهمساته وانفعالاته . لذلك لا تستغرب ممن يأتي ويقول لك انا اعرفك اكثر من نفسك .

كل الذين انحدروا من السلطة الاجتماعية بهذه العقلية الى السلطة السياسية بنوا مواقفهم معك على اساس ارشيف معد سلفا ‘ معرفة هواك السياسي وقناعاتك وتوجهاتك وكتاباتك ومواقفك .

السلطة السياسية الممثلة بالكتل والتيارات والاحزاب ‘ لديها ارشيف صارم عنك وعن حياتك ‘ لا اعرف كيف يبني هؤلاء مواقفهم عنك ‘ والانسان هو عبارة عن طاقة من التحولات الفكرية والنفسية ‘ في عالم كل شي فيه يتغير يوميا بما في ذلك الافكار . الانسان هذه الظاهرة الكونية المعقدة كيف لهم ان يحبسوها بين اختزالات مزاجية متخلفة ومختلة .

لم تتوقف السلطة السياسية عند هذا الحد فقط بل ذهبت ابعد من ذلك حينما اخذت تؤرشف من خلال تسجيلاتها ( التنصت على المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وتخترق البريد الالكتروني ).

من خلال اختراق اجهزة الكومبيوتر والهواتف لسرقة الكثير من البيانات. كل شي ممكن في بلد المفارقات ‘ تظهر وبشكل مفاجىء قضية شبكة التجسس والتنصت بين القوى السياسية والتسجيلات الصوتية واختراق حسابات بعض المسؤولين وعوائلهم ‘ من اجل الابتزاز والاحراج والحصول على مكاسب سياسية من خلال ارشفة معلومات سرية عن الخصوم لتشويه سمعتهم وتحقيق مطامح انتخابية مبكرة للفوز بالسلطة والثروة.

ان واحدة من اهم اسباب الارشفة السياسية هو الصراع على المنافع السياسية .

ثقافة الارشفة السياسية والاجتماعية ليست وليدة اليوم بل لها جذور ضاربة في عمق المجتمع لكنها تأكل من الثقة بين طبقات المجتمع والمؤسسات من خلال انتهاك الخصوصية وحقوق الانسان .

فضلا عن انها تزعزع الاستقرار السياسي وتكرس ثقافة الشك والخوف. لقد تحقق الهدف من تحويل الانسان الى كائن لا يفرق ما بين الحقيقة والزيف او بين الصدق والكذب او بين الوهم والواقع . كائن قلق وخائف ( يرتدي شخصية المواطن المستقر والمنسجم مع الكل ).