“تطبيع” العلاقات الأمريكية الإيرانية ومصير العرب المجهول؟!
نزار الحبيب ||
إذا “افترضنا” أن إيران والولايات المتحدة اتفقتا وأنهتا كل مشاكلهما، فإن هذا السيناريو قد يُحدث تغييرات كبيرة على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، خصوصاً فيما يتعلق بالعالم العربي. في هذه المقالة، سنحاول استشراف تأثيرات هذا الاتفاق على الدول العربية من عدة زوايا: السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والجيوسياسية.
_التوازنات الإقليمية والسياسية
العالم العربي ينقسم إلى محاور سياسية مختلفة، وتلعب التوترات بين إيران والولايات المتحدة دوراً كبيراً في تحديد العلاقات بين الدول العربية. دول مثل السعودية والإمارات ومصر تعتمد بشكل كبير على التحالف مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الإيراني. إذا تحققت المصالحة بين واشنطن وطهران، فقد يُضعف هذا المحور المناهض لإيران، وربما يُحدث تغييراً في أولويات هذه الدول.
على سبيل المثال، قد تجد السعودية نفسها مضطرة إلى التفاوض مع إيران لحماية مصالحها، بدل الاعتماد فقط على الحماية الأمريكية. يمكن أن يُفتح المجال لتسويات إقليمية تشمل ملفات حساسة مثل اليمن، حيث تلعب إيران دورًا داعمًا للحوثيين. المصالحة بين إيران وأمريكا قد تُخفف التوتر في هذا الملف، لكنها قد تجعل السعودية تشعر بالعزلة إذا لم تتمكن من إيجاد توازنات جديدة.
_التأثير الاقتصادي
العديد من الدول العربية تعتمد على صادرات النفط كمصدر رئيسي للدخل، فيما تلعب إيران أيضاً دوراً مهماً في سوق الطاقة. إذا خففت الولايات المتحدة العقوبات على إيران، ستتمكن الأخيرة من زيادة إنتاجها النفطي والغازي. هذا قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، مما قد يؤثر سلباً على اقتصادات دول الخليج.
على الجانب الآخر، قد تستفيد بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان من تخفيف الضغط على إيران، نظراً لتداخل الاقتصاديات والتجارة بين هذه الدول وإيران. في العراق، الذي يُعتبر ساحة تنافس بين النفوذ الأمريكي والإيراني، قد تشهد السياسة الداخلية استقراراً أكبر إذا تراجع الضغط الأمريكي على إيران.
_الملفات العسكرية والأمنية
من الجوانب التي قد تتأثر بشكل كبير هي الملفات العسكرية والأمنية. العديد من الدول العربية تعتمد على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة. إذا حدثت المصالحة، قد تجد هذه الدول نفسها أمام تحديات جديدة، حيث ستقل الحماية العسكرية الأمريكية وقد تتراجع المبيعات العسكرية.
بالمقابل، قد تتزايد قدرة إيران على دعم الفصائل المسلحة في دول مثل العراق، سوريا، ولبنان إذا تم رفع العقوبات عنها. هذا قد يعزز من نفوذها العسكري في تلك المناطق، مما قد يؤدي إلى تصاعد مخاوف الدول العربية من توسع النفوذ الإيراني.
_التأثير على القضية الفلسطينية
من الممكن أن تؤدي المصالحة الإيرانية-الأمريكية إلى تغيير في المواقف الإقليمية تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. إيران تُعتبر واحدة من أبرز الدول الداعمة للفصائل الفلسطينية المسلحة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي. أي اتفاق بين إيران وأمريكا قد يشمل إعادة رسم سياسات إيران تجاه هذه الفصائل.
الدول العربية، وخاصة تلك التي طورت علاقات مع إسرائيل في السنوات الأخيرة (مثل الإمارات والبحرين)، قد تجد نفسها في موقف حرج إذا تغيرت ديناميكيات الصراع بين إيران وإسرائيل. من جهة، قد تستفيد هذه الدول من استقرار إقليمي أكبر، ومن جهة أخرى، قد تجد أن هناك تغيرات في موقف إيران تجاه القضية الفلسطينية تجعلها أكثر انخراطاً في الملف.
_العلاقات العربية-الأمريكية
اتفاق إيراني-أمريكي قد يُعقد العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية. لطالما كانت الدول العربية تعتمد على الدعم الأمريكي في مواجهة التهديد الإيراني، وإذا سقط هذا العائق، قد تتجه الولايات المتحدة نحو تقليص دورها في المنطقة. هذا قد يؤدي إلى اعتماد أكبر للدول العربية على التحالفات الإقليمية والبحث عن شركاء جدد مثل الصين أو روسيا لتعويض التراجع الأمريكي.
_دور تركيا وإسرائيل
تركيا وإسرائيل تُعتبران دولتين رئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط، وأي تقارب بين إيران وأمريكا قد يغير مواقفهما. إسرائيل قد تشعر بتهديد أكبر إذا شعرت أن الاتفاق يعزز من نفوذ إيران العسكري في المنطقة. أما تركيا، فقد تجد فرصة لتعزيز نفوذها عبر استغلال الفراغ السياسي الذي قد ينشأ نتيجة لأي انسحاب أمريكي جزئي من المنطقة.
في حال حدوث اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، سيشهد العالم العربي تحولات كبيرة في عدة مجالات. سيجد العرب أنفسهم أمام ضرورة إعادة تقييم تحالفاتهم الإقليمية والدولية، خاصة في ظل احتمالية تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة وتعاظم نفوذ إيران. من ناحية أخرى، قد يكون هناك فرص لحلول دبلوماسية للأزمات العالقة، ولكن في الوقت نفسه، ستزداد تحديات الحفاظ على التوازنات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة.
على المدى البعيد، يعتمد مصير العرب على قدرة الدول العربية على التكيف مع هذه التغيرات وإيجاد صيغ تعاون جديدة تحفظ مصالحها وتحمي استقرارها.