إرهاب وغطرسة وجرائم قتل وصمت عربي مخزي..!
سمير السعد ||
في ظل التصعيد المستمر والاعتداءات الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على جنوب لبنان، تستمر المنطقة في المعاناة من إرهاب دولة متعمد. الاحتلال، وكعادته، يمعن في استخدام العنف المفرط ضد المدنيين، حيث نشهد يوميًا استهدافًا للقرى، قتلًا جماعيًا، تدميرًا ممنهجًا للبنية التحتية، وتهجيرًا قسريًا للعائلات التي لم تعد تجد مأمنًا في أوطانها.
هذه الاعتداءات الصهيونية ليست جديدة، فقد تعوّد العالم على مشهد الاعتداءات المتكررة من هذه القوة الغاشمة، إلا أن ما يثير السخط والاستياء في نفوس الشعوب العربية هو صمت الأنظمة العربية الرسمي، صمت يرقى إلى مستوى الخزي في ظل الجرائم المستمرة.
فيما تعالت أصوات بعض الشعوب الشريفة مستنكرةً ما يحدث، بقيت الحكومات في موقف المتفرج، متذرعةً بالظروف السياسية والدبلوماسية. هذه المواقف الهزيلة لا تليق بالجرح العميق الذي ينزف في جنوب لبنان، ولا تليق بمكانة الأمة التي من المفترض أن تكون سندًا لأبناءها في مواجهة العدوان.
ما يحدث في جنوب لبنان من إرهاب وغطرسة على أيدي قوى الاحتلال الصهيوني هو جريمة ضد الإنسانية، ولا يمكن تفسير الصمت العربي إلا بأنه تواطؤ، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر. التخاذل أمام هذه الجرائم يجعل الجميع في دائرة المسؤولية، ويطرح تساؤلات حول حقيقة الدور العربي في نصرة قضايا الأمة.
فيما تتواصل الاعتداءات الصهيونية على جنوب لبنان، يتزايد الشعور بالمرارة في نفوس العرب الذين يرون المشهد يتكرر دون أي رد فعل حاسم أو مؤثر من الحكومات العربية.
الصمت العربي أمام هذه الانتهاكات أصبح مسألة معتادة، وكأن الضمير العربي الرسمي قد تجمد في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تفرق بين مقاوم أو مدني، بين شيخ أو طفل. هذا الصمت، الذي يراه الكثيرون بمثابة خيانة لقيم العروبة والإسلام، يسلط الضوء على أزمة القيادة في العالم العربي.
منذ عقود، كانت القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين ولبنان، محور اهتمام الشعوب العربية ورافعة للسياسات الوطنية والدولية في المنطقة. إلا أن ما نشهده اليوم هو تراجع مريب في الأولويات القومية لصالح التحالفات والصفقات الاقتصادية والسياسية مع قوى الغرب، دون مراعاة لحقوق الإنسان العربي وكرامته.
الجرائم التي ترتكب في جنوب لبنان من قبل القوات الصهيونية تشمل جميع أبعاد الإرهاب الممنهج: من القصف العشوائي الذي يستهدف المنازل الآمنة إلى التدمير المنظم للبنية التحتية الحيوية. هذا الإرهاب يمتد ليشمل فرض حصار اقتصادي خانق على مناطق واسعة، ما يجعل حياة المواطنين جحيماً لا يطاق.
ولكن، إلى جانب ذلك، تأتي الغطرسة الصهيونية لتكمل المشهد البشع، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض هيمنتها العسكرية والسياسية على المنطقة دون أدنى اعتبار لأي مقاومة أو رد فعل من القوى المحلية أو الدولية.
في ظل هذا الوضع، يتساءل كثيرون:
أين الصوت العربي؟ أين المنظمات الدولية التي طالما دعت إلى حماية المدنيين في مناطق النزاع؟ هل أصبحت المصالح السياسية والاقتصادية أهم من حياة الأبرياء وحقوقهم الأساسية؟
الأمة العربية اليوم تقف أمام اختبار أخلاقي حاسم. فإما أن تنتفض لتدافع عن أبناءها وتوقف هذه الجرائم المستمرة، أو أن تظل أسيرة للخنوع والصمت المخزي الذي يزيد من إهانة الشعوب العربية ويهدد مستقبلها.
من واجب الحكومات العربية أن تتخذ موقفًا أكثر جرأة وحزمًا ضد العدوان الإسرائيلي. الدبلوماسية وحدها ليست كافية إذا لم تقترن بإجراءات اقتصادية وسياسية مؤثرة، تهدف إلى الضغط على القوى الدولية لوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل ولجم انتهاكاتها. إن الاستمرار في الصمت أو التذرع بعدم القدرة على التأثير هو تبرير غير مقبول ويعتبر انسحابًا من المسؤولية.
بالمقابل، يبقى الشعب العربي هو الأمل المتبقي في هذه المعركة. فمع تصاعد مشاعر الغضب، تتعالى دعوات الشعوب للمقاطعة والضغط الشعبي على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر فاعلية. التضامن الشعبي العربي، رغم كل التحديات، يظل سلاحًا قويًا لا يجب الاستهانة به. ولكن، لكي يتحقق التغيير المنشود، يجب أن يتحول هذا الغضب الشعبي إلى تحركات منظمة قادرة على التأثير على المشهد السياسي العربي والدولي.
العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان هو جزء من سلسلة أطول من الانتهاكات التي تشنها إسرائيل ضد الشعوب العربية. هذه الجرائم لن تتوقف إلا إذا وقف العالم العربي وقفة جادة ومسؤولة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الآنية.
خلاصة القول ، لا يمكن لشعوب المنطقة أن تظل مكتوفة الأيدي أمام هذه الجرائم. التضامن الشعبي مع القضية اللبنانية هو خطوة ضرورية، ولكنها غير كافية ما لم تترافق مع تحركات دبلوماسية وسياسية جادة لوقف هذا العدوان وحماية الأبرياء.