الاثنين - 21 ابريل 2025

العراق بين التعقيدات الداخلية وفرص النهوض: قراءة أعمق للواقع السياسي بعيداً عن التحليلات السطحية

منذ 6 أشهر
الاثنين - 21 ابريل 2025

ناجي الغزي ||

/ كاتب وباحث سياسي

العراق الذي يعيش في قلب منطقة مضطربة ويتحمل عبء سنوات طويلة من الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، يواجه اليوم تحديات كبيرة من الناحية السياسية والاقتصادية. ورغم هذا الواقع المأساوي، فإن العديد من المحللين الغربيين، مثل “مايكل نايتس” يقرؤون المشهد العراقي بسطحية، معتمدين على معطيات خارجية لا تعكس التعقيدات العميقة التي تحكم ديناميكياته المحلية.

وفي مقاله الذي نشر بـ مجلة “فورين آفيرز” في 6 يونيو 2023، والذي حمل عنوان “الهدوء السياسي الخادع في العراق لن يطول كثيراً”، حذر نايتس من انهيار وشيك لحكومة الإطار التنسيقي بقيادة محمد شياع السوداني، معتبراً أن هذه الحكومة لا تملك قدرة على الاستمرار أمام الصراعات الداخلية والتدخلات الإيرانية.
ولكن مع مرور الوقت، ثبت أن توقعاته كانت مغلوطة ولم تتحقق على أرض الواقع.

إن القول بأن حكومة الإطار التنسيقي تحت سيطرة “أمراء الحرب” وتحكمها الميليشيات المدعومة من إيران، كما أشار نايتس، يتجاهل حقيقة أن العراق دولة متعددة الأطراف وتُحكم من خلال توازنات سياسية معقدة. هذه التوازنات ليست خاضعة لهيمنة فصيل واحد، بل تقوم على التفاوض بين قوى داخلية متباينة تشمل أحزاباً دينية وقومية وعلمانية تحت عنوان (إدارة الدولة).

وحكومة السوداني ليست مجرد أداة بيد الميليشيات، بل نتاج لتحالفات داخلية وإقليمية تم تشكيلها عبر عقود من الصراعات والضغوط السياسية، ما يجعل أي تحليل يبسط الوضع العراقي غير دقيق ولا يعبر عن الصورة الحقيقية.

لقد أشار نايتس إلى أن نفوذ الإطار التنسيقي في العراق هو الأقوى منذ زمن صدام حسين، لكن هذا الرأي يغفل حقيقة أن القوى السياسية في العراق تتشكل وفق تحالفات معقدة ومتحولة.

السوداني نفسه لا يمكن وصفه بأنه مجرد دمية، بل هو قائد سياسي يعمل في بيئة مليئة بالتحديات، ويحاول الموازنة بين القوى المتصارعة داخل البلاد، مع الحفاظ على علاقات مع القوى الإقليمية والدولية.

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه السوداني، من الفساد إلى البطالة والأزمة الاقتصادية، فإنه حقق بعض التقدم الملحوظ. على سبيل المثال، عمل السوداني على تقوية مؤسسات الدولة وتعزيز دور القوات الأمنية الرسمية على حساب الميليشيات غير الرسمية، سعياً لتحقيق الاستقرار الداخلي.

إلى جانب ذلك، تسعى الحكومة الحالية لتعزيز الاستثمارات الخارجية وتنويع مصادر الدخل، بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط، وهو ما قد يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر حكومة السوداني حكومة خدمات بالدرجة الأولى، حيث قامت ببناء سلسلة من المجسرات والطرق داخل بغداد لفك اختناقات السير وتخفيف الزحام المروري.

كما يعمل السوداني على تنفيذ مشروع “طريق التنمية” الاستراتيجي، الذي يهدف إلى ربط الشرق بالغرب، ليصبح العراق محوراً تجارياً واقتصادياً بين أوروبا وآسيا، وهو ما يُتوقع أن يعزز مكانة البلاد إقليمياً ودولياً.

نايتس انتقد أيضاً دور القضاء العراقي، معتبراً أنه أداة بيد قوى الإطار التنسيقي لترسيخ سلطتها. إلا أن هذا الرأي يغفل محاولات الإصلاح الجارية داخل النظام القضائي العراقي. فمع كل الانتقادات التي توجه إلى القضاء، لا يمكن إنكار أنه يظل المؤسسة الوحيدة القادرة على حماية سيادة القانون ومحاسبة المسؤولين عن الفساد.

رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، يُعتبر شخصية مثيرة للجدل، لكن القضاء العراقي أظهر قدرته في عدة مناسبات على التدخل لمعالجة ملفات الفساد والجرائم الكبرى.
رغم كل التحديات التي تواجه العراق، لا يمكن التغاضي عن الإمكانيات الكامنة التي تتيح له فرصة التقدم. فالعلاقات العراقية مع دول الجوار في تسن تدريجي، وهناك دور متزايد للعراق كلاعب إقليمي

في الوساطة بين القوى المتنازعة في المنطقة. إذا تم استغلال هذه الفرص بشكل صحيح، يمكن للعراق أن يتجاوز أزماته الحالية ويعيد بناء الدولة على أسس أقوى.
الخلاصة أن العراق ليس مجرد ساحة لصراعات الميليشيات وتدخلات القوى الخارجية، بل هو دولة ذات تعقيدات سياسية واجتماعية داخلية تستلزم فهماً أعمق. وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي رسمها نايتس، فإن العراق اليوم يمتلك فرصة حقيقية لتحقيق الاستقرار والنهوض مجدداً إذا ما تم التعامل بحكمة مع تحدياته واستغلال فرصه الاقتصادية والسياسية.