دولة التظاهر والشكوى..!
عامر جاسم العيداني ||
في السنوات الأخيرة، أصبحت التظاهرات والاحتجاجات في العراق ظاهرة ملحوظة تتجاوز حدود الحرية التي يكفلها النظام الديمقراطي. تتسم بعض هذه التظاهرات بالعنف وتخريب الممتلكات العامة، مما يثير تساؤلات حول مدى الالتزام بالقانون والنظام، ومدى تأثير ذلك على الوضع العام في البلاد.
لا شك أن حرية التعبير حق مشروع يكفله الدستور العراقي، لكن ما يحدث في بعض الأحيان هو تجاوز هذا الحق ليصبح تدميراً وحرقاً للمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة. هذه الممارسات تقفز فوق حدود الاحتجاج السلمي لتشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاجتماعي والأمني. وهنا يكمن التساؤل: ما هي الأسباب التي تدفع بعض المتظاهرين إلى اللجوء إلى العنف بدلاً من استخدام الوسائل السلمية لتحقيق مطالبهم؟
من أبرز الأسباب التي دفعت العراقيين إلى الاعتماد على التظاهرات كوسيلة رئيسية للتعبير عن الغضب والمطالبة بالحقوق هو فشل الحكومات المتعاقبة في تقديم حلول ناجعة للمشاكل المتراكمة. لم تتمكن أي من الحكومات من تقديم برامج إصلاحية تلبي احتياجات الشعب، سواء في مجالات الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصحة أو في مجال التوظيف ومكافحة الفساد. هذا الفشل أوجد حالة من الإحباط دفعت المواطنين إلى الشوارع للضغط على الحكومة.
وفي ظل غياب آليات فعالة لمراقبة الخدمات العامة، بات المواطن العراقي يشعر بأن الحل الوحيد لمشاكله يكمن في تقديم الشكاوى والمناشدات للسلطات عبر وسائل الإعلام أو التظاهر في الساحات العامة. فالحكومات لا تعتمد على مؤسسات رقابية فاعلة لضمان تقديم الخدمات بالشكل المطلوب، بل تعتمد في كثير من الأحيان على الضغط الشعبي أو الإعلامي. هذا النمط يشير إلى ضعف مؤسسي واضح وعدم كفاءة النظام الإداري في معالجة الأزمات من الجذور.
ان الأمر الأكثر خطورة في هذه الظاهرة هو تزايد حالات العنف المصاحبة لبعض التظاهرات. فعندما يتحول التظاهر من وسيلة سلمية إلى استخدام القوة وتخريب الممتلكات، فإنه يعطي انطباعاً سيئاً عن استقرار البلاد. هذا الانطباع يؤدي إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في العراق، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني ويزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية.
حيث لم يعد كافياً أن تقتصر الحلول على الاستجابة للمطالب من خلال المناشدات أو التظاهرات فقط، بل يجب أن تتخذ الحكومات خطوات جدية لتوفير آليات رقابية فعالة تضمن تقديم الخدمات بالشكل الأمثل وتجنب اللجوء إلى الشارع كوسيلة وحيدة للتعبير. كما ينبغي على الدولة فرض القانون وضمان سلامة الممتلكات العامة والخاصة خلال الاحتجاجات، مع احترام حق المواطنين في التظاهر السلمي.
ولا يمكن إنكار أهمية التظاهر كأداة ضغط شعبي في أي نظام ديمقراطي، ولكن عندما تتجاوز هذه التظاهرات حدود السلمية وتتحول إلى أعمال عنف وتخريب، فإنها تفقد قيمتها وتصبح عائقاً أمام الاستقرار والتنمية. يجب على الحكومة العراقية أن تتعامل بجدية مع مطالب الشعب وأن تجد حلولًا عملية ومستدامة لتفادي استمرار هذا النمط من التظاهر المتجاوز للنظام والقانون.