الثلاثاء - 05 نوفمبر 2024
منذ 3 أسابيع
الثلاثاء - 05 نوفمبر 2024

حسين الشيحاني ||

 

من منظور العقيدة الإسلامية، الأمة الإسلامية هي كيان واحد مترابط يقوم على أسس من العقيدة المشتركة والأخوة الإيمانية، بغض النظر عن الحدود الجغرافية أو الانتماءات القومية. وهذا المفهوم ينطلق من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على وحدة المسلمين وتكاملهم.

حيث قال الله تعالى في في محكم كتابه الكريم:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (الحجرات: 10)، وورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

هذا المبدأ يجعل الأمة الإسلامية واحدة متماسكة أمام أي تهديدات أو اضطهاد يتعرض له أي جزء منها. الحدود بين الدول، التي هي اتفاقات سياسية وإدارية، لا يمكن أن تفصل بين المسلمين من منطلق العقيدة الإسلامية. فعندما يتعرض جزء من الأمة للظلم، مثلما يحدث في قطاع غزة أو جنوب لبنان، فإن المسلمين جميعًا مسؤولون شرعيًا وأخلاقيًا عن الدفاع عن إخوانهم وتقديم المساعدة بكل الوسائل الممكنة.

2. الحدود والمسؤولية الشرعية والأخلاقية

في الإسلام، المسؤولية الأخلاقية والشرعية تجاه نصرة المستضعفين لا تتوقف عند حدود الجغرافيا أو الانتماءات الوطنية، بل تشمل كل مسلم بغض النظر عن مكان وجوده. فالإسلام يعلم أن المسؤولية الجماعية هي ركن أساسي في حفظ العدل وإقامة الحق. هذه المسؤولية تظهر في الأحاديث النبوية التي تحث المسلمين على نصرة المظلومين:

«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

وبالتالي، فإن اضطهاد الشعوب الإسلامية في أي جزء من العالم، وبخاصة في فلسطين ولبنان، يضع جميع المسلمين أمام مسؤولية جماعية تتطلب منهم العمل من أجل إنهاء هذا الظلم. عدم الاكتراث بمحنة إخوانهم في الدين هو مخالفة شرعية وأخلاقية، ويجعلهم مسؤولين أمام الله يوم القيامة.

3. العروبة ودورها في دعم القضايا العربية

من منظور العروبة، الحدود التي تفصل الدول العربية لم تكن يومًا حواجز تمنع التضامن والتكامل بين الشعوب العربية. العروبة الأصيلة تنظر إلى الأمة العربية ككيان واحد متكامل يجمعه التاريخ، اللغة، والثقافة المشتركة. ورغم أن الدول العربية وُضعت في أطر سياسية منفصلة نتيجة استعمار وخطط سياسية خارجية، إلا أن الشعوب العربية لا تزال تتعامل مع القضايا القومية بوحدة متكاملة.

موقف الشعوب العربية من القضية الفلسطينية، على سبيل المثال، يعكس بوضوح هذا المبدأ. رغم الحدود السياسية، كانت هناك دائمًا محاولات مستمرة من الشعوب العربية لدعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. وكذلك الحال في دعم المقاومة في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث لعبت الشعوب العربية دورًا بارزًا في تقديم الدعم المادي والمعنوي للقضية.

العروبة تدفع الشعوب إلى الشعور بالواجب تجاه بعضها البعض، لأن أي تهديد أو اعتداء على دولة عربية يُعتبر تهديدًا للأمة العربية كلها. ويجب أن تتجاوز العروبة كل الانقسامات السياسية أو الخلافات الجغرافية، خاصة أمام التحديات الكبرى التي تهدد وجود الشعوب العربية.

4. الحدود السياسية وتأثيرها على الوحدة الإسلامية والعربية

في العصر الحديث، برزت الحدود السياسية بشكل أكثر وضوحًا بعد تقسيم الدول الإسلامية والعربية عقب الحقبة الاستعمارية. هذه الحدود التي تم ترسيمها وفق مصالح القوى الكبرى كانت تهدف إلى تقسيم الأمة الإسلامية والعربية وتفتيت قوتها. ومع ذلك، فإن الوعي الشعبي والإسلامي لم يقبل هذه الحدود كفواصل نهائية، بل حافظ على قيم الوحدة والتضامن.

رغم ذلك، أُحبطت أحيانًا الجهود الشعبية بسبب السياسات الحكومية والتوجهات القطرية التي تتبنى سياسات “الأمن القومي” الخاصة بها دون النظر إلى الأمن الجماعي للأمة الإسلامية أو العربية. إلا أن الأزمات الكبرى، مثل الحروب والاعتداءات على غزة أو لبنان، أظهرت أن الروابط الأعمق لا تزال حية في قلوب الشعوب الإسلامية والعربية.

5. واجب الأمة أمام الأزمات في فلسطين ولبنان

ما يحدث في قطاع غزة وجنوب لبنان من اعتداءات وتهديدات مستمرة يجب أن يكون محل اهتمام كل مسلم وكل عربي. المسلمون والعرب على حد سواء لديهم واجب ديني وقومي في التصدي للظلم والوقوف بجانب الشعوب التي تواجه القمع والاحتلال.

في النهاية، الإسلام والعروبة يتحدان في هذه النقطة الأساسية: الحدود السياسية لا يمكن أن تكون حواجز تفصل بين الشعوب الإسلامية والعربية، بل هي مجرد خطوط إدارية، والمسؤولية الشرعية والأخلاقية تفرض على الجميع نصرة المظلومين ومساعدة المستضعفين.

خاتمة

الحدود السياسية ليست هي التي تحدد الولاءات أو المسؤوليات، بل الأخوة الدينية والقومية هي التي تجعل من الأمة الإسلامية والعربية كيانًا واحدًا. واجب المسلمين والعرب جميعًا هو الوقوف أمام أي ظلم أو اضطهاد، سواء كان في فلسطين أو لبنان أو أي جزء آخر من العالم الإسلامي والعربي، متجاوزين بذلك الحدود السياسية التي فُرضت عليهم من قبل قوى خارجية.