💎 جواهر عَلَويَّةٌ: لَمْ يُخْلِ اللّهُ سُبْحانَهُ عِبادَهُ مِنْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قائِمَةٍ
✍ السيد بلال وهبي ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَمْ يُخْلِ اللّهُ سُبْحانَهُ عِبادَهُ مِنْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قائِمَةٍ”
تشير هذه الجوهرة الكريمة إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يترك عبادَه دون أن يرسل إليهم حُجَّة أو دليلاَ هادياً يهديهم إلى الحق وصراطه المستقيم، يعرّفهم عليه وعلى دينه وشريعته، وما يريده منهم، فالله تعالى دائماً ما ينصِبُ للناس منارات ودلائل يقيم بها الحُجَّة عليهم ويهديهم إلى الطريق القويم، سواء كان ذلك عبر الأنبياء والرَّسُل، أو الأوصياء المعصومين الذين يخلُفون الرُّسل، أو الكتب السَّماوية، أو غيرها من وسائل الهداية من فِطرة سليمة، وعقل، وأزمات موقِظة.
ما لا شَكَّ فيه أن البشر بحاجة ماسَّة إلى هداية الله تعالى لهم وذلك بالتقريب التالي:
إن الله تعالى الذي خلق البشر هو حكيم بلا أدنى شك، وحكمته تعالى تتجلَّى في جميع خلقه، فإن أدنى قراءة جادّة وواعية لِما خلق الله تعالى توصِلنا إلى أنه تعالى لم يخلق مخلوقاً إلا وقد خلقه لغاية -طبعا الغاية ترجع إلى المخلوق لا الخالق- فلو أخذنا الجسم البشري مثالاً فإننا نجد أن كل عضو فيه قد خُلِق لغاية ولدور يؤديه،
وهو في موقعه الملائم من الجسم، وشكله الملائم، وحجمه الملائم، وهو بعد ذلك متضافر متوائم مع بقية الأعضاء، إن هذا يدلُّنا بشكل قاطع على أن الجسم كله له غاية، وهذا الجسم بدوره يخدم الإنسان الذي هو عبارة عن الروح والنفس والعقل،
ومعلوم أن الإنسان مخلوق هادف، بمعنى أن له غايات يسعى إليها طول حياته بل حتى بعد مَماته، إن ذلك يكشف كشفاً قطعياً عن أن الله الحكيم قد خلقه لغاية، ولم يكن خلقُه عَبثياً، فضلاً عن أن اله تعالى لا يكون منه عبَثٌ أبداً، سبحانه، كما أن ذلك يكشف عن احتياج الإنسان إلى أن يهديه الله لى تلك الغاية، وإلا كان خلق الإنسان عبثياً، إذ كيف يخلقه الله لغاية، ويعلم الله أن الإنسان لا يمكنه أن يبلغ تلك الغاية بذاته ودون هداية منه، ثم يهمله من هدايته؟! ولما كان الله تعالى حكيماً عليماً بحاجة الإنسان إلى الهداية فلا يمكن أن يهمله في هذا الشأن.
من جانب آخر، فإنّ عَقل الاِنسان، وإنْ كان مؤثِّراً ومُفيداً في سلوكه طريقَ الكمال، إلا أنّه غيرُ كافٍ لذلك، ولو اكتُفيَ في هداية الاِنسان بالعقل وحده لما عَرفَ الاِنسان طريقَ الكمال بشكل كامل قَطُّ، فإنّ الإنسان يريد أن يَعْلَم من أين جاء؟ ولماذا جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ والعقل لا يقدر وحدَه على إعطاء الإجابات الصحيحة الكافية على كلّ هذه الأسئلة، فعلى الرغم من كل ما أحرزته البشرية المعاصرة من التقدّم والرقيّ في ميادين العلم لا تزال هذه الأسئلة تراود أذهان البشر، وهي أسئلة مصيرية يتوقف عليها مصير الإنسان، وعلى ضوء الإجابة عنها يفهم معنى وجوده، ويحدِّد شكل حياته وعلاقاته وسلوكياته.
كما أن عجز العَقل والعلم البشريَّين وقصورهما، لا ينحصر في مجال قضايا المبدأ والمعاد، بل إن الاِنسان لم يتمكّن إلى الآن من أن يختار الطريقَ الصحيحَ في كثير من مجالات الحياة أيضاً، يدل على ذلك اختلاف الرُّؤى والنظريات البشريّة في قضايا الاقتصاد، والاَخلاق، والأسرة، وفهم النفس البشرية، وغير ذلك من مناحي الحياة ومجالاتها.
وعليه: فإن اللُّطف الإلهي وحكمته يقتضيان أن يواكب الله الإنسان بالهداية وأن يبعث إليه الأنبيااء والرُّسل، وأن ينصِب له الحُجَج ظاهرة كانت أم مغمورة، ومحال بمقتضى لطف الله وحكمته وعدله ورحمته أن يترك الإنسان هَمَلاً،
قال تعالى: “أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى” ﴿36/ القيامة﴾. فكما أنه تعالى هدى الإنسان من لدن أن كان مَنِيّاً يُمْنى، ثم حين صار علَقة، فمضغة، فعظاماً هداه تكوينياً في أطوار تكامله وهو جنين في رحم أمه، كذلك يهديه في الحياة الدنيا، وهذا ما أخذه الله تعالى على نفسه بمقتضى لطفه وحكمته ورحمته أن يهدي الإنسان إلى ما لا يقْدِر على معرفته بذاته
قال تعالى: “إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ” ﴿12/ الليل﴾. وقال سبحانه: “رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” ﴿165/ النساء﴾
ولو فُرِض أن الله تعالى لم يهدِ الإنسان –وفرض المحال ليس محالاً- لكان للإنسان أن يحتجَّ على الله تعالى أنه أهمله وتركه وشأنه مع علمه أنه قاصر عن إدراك ذلك، ومعه سيكون مصيره الهلاك، قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَىٰ” ﴿134/ طه﴾.
المحصِّلة التي نخرج بها مِمّا سبق: أن الله تعالى يجعل لكل عصرٍ دليلاً قائماً يُلزِم الناس باتباعه، هذه الحجة تكون دليلاً واضحاً، لا يمكن دفعه أو إنكاره. وهذا يشمل الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية الناس، وآخرهم النبي محمد صلى الله عليه وآله، وكذلك الأئمة المعصومين بعده.
وأن الله تعالى يقصُدُ لهم الطريق: “وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ…”﴿9/ النحل﴾ وهو الذي عبَّر عنه الإمام (ع) بالمَحَجَّة القائمة، والتي تعني الطريق الواضح أو السبيل البَيِّن، وهي تشير إلى طريق الهداية الذي يكون قائماً ومستمراً بين الناس، فلا يمكن أن تضل الأمة أو تنحرف طالما أن هذا الطريق القائم يظل متاحاً، يشمل هذا الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وتعاليم الأئمة المعصومين الذين يسيرون بالناس إلى الصراط المستقيم.
فجر يوم الخميس الواقع في: 17/10/2024 الساعة (05:40)