كن من عدوّك على أشدّ الحذر..!
كوثر العزاوي ||
عند قراءتي لماجاء في خطاب السيد القائد سماحة الإمام عليّ الخامنئي”أدام الله ظله” اليوم، بخصوص الهجوم الإسرائيلي على إيران، مما لفتَ نظري عبارة قالها سماحته:{ إنّ الهجوم الإسرائيلي
يجب ألّا يُضخّم أو يُقلّل من شأنه}. وجاء بلفظ آخر: {إنّ شر النظام الصهيوني قبل ليلتين، لا ينبغي تعظيمه، أو الإستهانة به}. انتهى.
في الواقع، إنّ كلام السيد الوليّ “حفظه الله” ساقني إلى التأمّل بقول سيد البلغاء أمير المؤمنين “عليه السلام” وقد قرأته يومًا، ولكن اكثر تفصيلًا وأعمق فكرة حيث يقول:
{ لا تَستَصغِرَنَّ أمرَ عَدُوِّكَ إذا حارَبتَهُ، فَإِنَّكَ إن ظَفِرتَ بِهِ لَم تُحمَد، وإن ظَفِرَ بِكَ لَم تُعذَر، والضَّعيفُ المُحتَرِسُ مِنَ العَدُوِّ القَوِيِّ، أقرَبُ إلَى السَّلامَةِ مِنَ القَويّ المُغْتَرّ بالضَّعِيف}.
وحسب فهمي القاصر، أرى درسًا بين طيات قول أمير المؤمنين “عليه السلام” لم يَفت سماحة السيد الوليّ”حفظه الله” أن يعطيه الأمة، وهو الخبير بأحوال الرجال والميدان،
كيف لا وقد تعبّأ بتوجيهاتِ قادة الأمم، واستقى من منبع بصائر ساسة العباد، محمد وآله “عليهم السلام” فنراه يوجّه أنظار رجال الأمة الإسلامية على حقيقة، بكل سكينة واطمئنان،
إذ دعى الى عدم الإستهانة بما قام به العدوّ الإسرائيلي من اعتداء بائس على الجمهورية الإسلامية، ولايُستبعَد الكرّة ثانية، في حركة منه لاستعادة الهيبة المفقودة، وردّ اعتباره المهدور، بعد تلقّيهِ صفعة حيدرية من دولة الفقيه ورجال حزب الله، التي كسرت هيبتة وأرغمت أنفه، جاء ذلك التوجيه في ظروف سقطت فيها الأقنعة، وظهر الوجه الحقيقي للعدو بشكل واضح وعلنيّ، ولم تعد ثمة حاجة لكثير من الوعي لتشخيص العدو المتمثل بالاحتلال الصهيوأمريكي، وأدواتهم الغادرة،
فالإدارة الأمريكية التي تعمل وفق أولوية الحفاظ على الكيان الصهيوني حدّ الإستماتة، هي اليوم شرطي المنطقة وكلبها المتربص، الذي يسعى للسيطرة على المنطقة ليستعبدها عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا!،
ولاشك أن هذه الإدارة هي العدو القويّ الذي أشار له مولانا أمير المؤمنين “عليه السلام” في ثنايا قوله أعلاه، وقد عزز ذلك، توجيه سماحة السيد القائد، ليُفهم منه أنّ استصغار الخصم والإستهانة به، يمنع من التحفظ، ويسوق إلى التراخي، وربّ صغيرٍ غلب كبيرًا، وإنّ آفة الاستخفاف بالعدو وترك الحيطة من جانبه، ربما يصل الأمر “لاسمح الله”، الى مرحلة يغفل فيها المجاهد عن سلاحه، لرسوخ فكرة الوهن لدى العدو، وضعف أدائه، وهشاشة بأسه،
قبال ماتمتلك جبهة الإيمان من قوة واستعداد، ورغم القوة وسلامة اليقين، واطمئنان قلوب المؤمنين، إلّا أنّ ثمة نسبة خطر قد حذّر الله:
“عزوجل” المؤمنين منها، عِبر خطابه لرسوله المصطفى”صلى الله عليه وآله” إذ قال:﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً..﴾ النساء ١٠٢.
آيات بمثابة خطة عسكرية واضحة المعالم، رسمتها يد الغيب، لتكون رهن التطبيق والإتّباع لجند الله! وخلاف ذلك، فإنّ کلّ کلمة أو خطّة أو حرکة تؤدّي بالمجاهدين إلی الغفلة،إنما هي خطوة باتجاه تحقيق أهداف وغايات الأعداء، التي بيّنها الباري”عزوجل” في قوله:{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو تَغْفُلُونَ..}
إذن أيّ مدد وأي لطف إلهيّ أعدّه الله للمجاهدين في سبيله، والمدافعين عن حياض دينه، مالم يغفلوا عن مكر عدوهم وغدره!!
من هنا، أكد العلماء والخبراء، ومِن منطلق المعرفة الميدانية، على ضرورة المعرفة، في كيفية التعاطي مع العدو، وهذا شرط من شروط الجهاد، لتمام الحفاظ على المواقع المتقدمة، ولعل الأهم من ذلك، هو عدم الاستخفاف بالعدو، وتلك الآفة الكبرى، فقد يبدو ضعيفًا، لكنه ليس غبيّا، فهو يخطط ليلاً ونهارًا للنيل من الخصم، لذا جاء التحذير من العدو، في ثنايا الآيات المباركات، وأشارت له الكثير من الروايات، على لسان العترة الطاهرة “عليهم السلام”
دون الإشارة إلى ضعفه أو قوّته، إنما لعلم الله تعالى بوحشية طبع العدو وغدره، وتهوّره في فنّ الإبادة بلا هوادة! وهو مصداق قوله “عزوجل”
“فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً”.
٢٤-ربيع الثاني-١٤٤٦هجري
٢٨-تشرين الاول-٢٠٢٤ميلادي