جواهر عَلَويَّةٌ: لَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيا عَلى الْمُنافِقِ بِجُمْلَتِها عَلى أَنْ يُحِبَّني ما أَحَبَّني..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيا عَلى الْمُنافِقِ بِجُمْلَتِها عَلى أَنْ يُحِبَّني ما أَحَبَّني”
لا يختلف اثنان على جاذبية الإمام علِيٍّ (ع) نظراً لفضائله التي لا تدانى، وعِلمه الذي لا يُجارى، وموقعه من رسول الله (ص) الذي لا مثيل له في المسلمين، وهذا ما شَهِدَ به كبار الصحابة إن لم نقل جميعهم، لقد كان المتقدم فيهم أيَّام رسول الله (ص) يتقدمهم إلى الحرب والنزال، وكان أعلمهم كما شهد له الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب إذ قال فيما رُويَ عنه: لا بقيتُ لِمُعْضِلَة لَيْسَ لَها إِلا أبو الحَسَن. أما ما قاله (ص) بحقه فكثير وعظيم، أقلُّه قوله (ص): “عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ” إن هذا وسواه وما تقدم يقتضي أن يجتذب قلوب الناس كل الناس إليه (ع).
لكننا وجدنا فئة أبغضت عَلِياً (ع) لذات ميزاته الجاذبة، أبغضته لموقعه ومكانته وعلمه، وكمالاته المَعنوية والروحية، وأبغضته لعدله وتنَمُّره في ذات الله، ولم تُبغضه لظلم كان منه، أو جَور، أو اعتداء، أو مَثلَبَة، أو معصية، أو فاحشة، أو جهل، أو جُبن، أو بُخل أو سوى ذلك من الصفات السلبية التي تُنَفِّر الناس من المُتَصف بها.
هؤلاء يقول عنهم (ع): “لَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيا عَلى الْمُنافِقِ بِجُمْلَتِها عَلى أَنْ يُحِبَّني ما أَحَبَّني” إن هذا التصريح يعكس موقفاً عميقاً للإمام (ع) تجاه هذه الفئة من الناس، يُبَيِّن فيه طبيعتهم التي تجعلهم غير قادرين على الوفاء بالحب الحقيقي لأهل الحق، إن هؤلاء لن يُحِبوه حتى لو قدِّم (ع) لهم الدُّنيا كلها وما فيها من متاع ومناصب ومنافع، يبقون على ضغينتهم ويستمرون في عداوتهم.
إن هذا التصريح يعكس فهم الإمام (ع) لحقيقة أن النفاق لا يمكن تغييره أو التخلص منه بمجرد توفير المصلحة أو الثروة، إذ أن كراهية المنافق تجاه الحق ليست مرتبطة بمصالح دنيوية يمكن شراؤها، بل بجذور أعمق متعلقة بطبيعته الداخلية، ويؤكد استحالة كسب ودّ المنافقين، واستحالة تغيّر القلوب التي تُخفي نفاقها، والتي يصعب أن تتبدَّل محبتها لأهل الحق، فحبّ أهل الحق والإخلاص لهم ليس أمراً يمكن شراؤه بالدُّنيا أو ملذاتها، وإنما ينبع من الإيمان الصادق والنية الخالصة.
إن تفاعل المنافقين مع الأشخاص الذين يمثلون الحق غير ممكنة، واجتذابهم من قبل أهل الحق في منتهى الصعوبة، ومهما حاول الصالحون كسب وُدِّ هؤلاء الناس، سيظل هناك حجاب من النفاق يمنعهم من تقبل الحق، وهذا يعود إلى انحراف داخلي يجعل المنافق غير قادر على تجاوز أهوائه أو مصالحه الشخصية التي تدعوه إلى بغض الصالحين والنِّقمة عليهم.
إن تأثير أهل الحق يظهر بوضوح على النفوس الصادقة، ويجذب من كان مخلصاً للحق، راغباً به، طالباً للعدل، مُنصفاً في الحكم، لكن هذا التأثير لا يصل إلى النفوس المنافقة، فهناك حواجز نفسية وعقلية تمنعهم من التفاعل بإيجابية.
مما سبق نتعلَم أن نمضي في طريقنا على بصيرة ووعي، وأن نستقيم على مبادئنا وقناعاتنا، وأن نستمسك بالحق الذي عرَّفَناه الله تعالى، نحمله ونبذل المُهج دونه، ولا نلتفت إلى كره الكارهين، ولا ننشغل بحقد الحاقدين، الذين لا يحقدون علينا لباطل نحن عليه، ولا يكرهوننا لظلم ارتكبناه، بل يكرهوننا حسداً من أنفسهم، نمضي على الطريق لا تأخذنا في الله لومة لائم حقود، ولا معاندة كاره حسود، فهؤلاء لو أسقيناهم العسَّل المصَفَّى، وأطعمناهم المَنَّ والسَّلوى، وفتحنا لنا قلوبنا على مصاريعها،
فلن يحبونا، ولن يرضوا عنَّا، إلا إذا اتبعنا مِلَّتَهم، فإِنَّما هم في شِقاقٍ مشتمر، وفي عِناد يقوده الهَوى، ويحدوه الغرض الشَّخصي، وإنهم ليعرفون أننا على الحق،
ولكن ليس كل من عرف الحق أذعن له، وليس كل من عرف الحق حمله ونادى به، وإنَّهم ليخشون على مصالحهم وسُلطانهم، ومن ثم يكيدون لنا ذلك الكيد، ويظهرون لنا ذلك الحِقد، وينصبون لنا العداء جهاراً، ويصرِّحون به ليلاً ونَهاراً، ويحاربوننا وجهاً لوجه تارة، ومن وراء سِتار تارة أخرى، ومعه، فلا مجال لانتظار محبتهم، والتطلُّع إلى مودتهم، ولا العمل على استرضائهم، المهم رِضا الله الذي إليه معادنا.
فالحكمة تقتضي ألّا نستنزف جهودنا في محاولة تغيير قلوب لا ترغب بالتغيير، قلوب لن يغادرها الحقد والغِل، والتركيز على جَذب النفوس المستعدة لتقبل الخير، والعمل على التأثير الإيجابي في الأفراد الذين يستجيبون لهذا التأثير، والتوجه إلى القلوب الصادقة.
✍️ السيد بلال وهبي
فجر يوم الأربعاء الواقع في: 30/10/2024 الساعة (04:40)